يقول لهم : { وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي } أي : لا تحملنكم عداوتي وبغضي على الإصرار على ما أنتم عليه من الكفر والفساد ، فيصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح ، وقوم هود ، وقوم صالح ، وقوم لوط من النقمة والعذاب .
قال قتادة : { وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي } يقول : لا يحملنكم فراقي .
وقال السدي : عداوتي ، على أن تتمادوا في الضلال والكفر ، فيصيبكم من العذاب ما أصابهم .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عوف ، حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ، حدثنا ابن أبي غَنيَّة ، حدثني عبد الملك بن أبي سليمان ، عن أبي ليلى الكندي قال : كنت مع مولاي أمسك دابته ، وقد أحاط الناس بعثمان بن عفان ؛ إذ أشرف علينا من داره فقال : { وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ } يا قوم ، لا تقتلوني ، إنكم إن تقتلوني كنتم هكذا ، وشَبَّك بين أصابعه .
وقوله : { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ } [ قيل : المراد في الزمان ، كما قال قتادة في قوله : { وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ } يعني ]{[14889]} إنما أهلكوا{[14890]} بين أيديكم بالأمس ، وقيل : في المكان ، ويحتمل الأمران ،
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنّكُمْ شِقَاقِيَ أَن يُصِيبَكُم مّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مّنكُم بِبَعِيدٍ } .
يقول تعالى ذكره ، مخبرا عن قيل شعيب لقومه : { ويا قَوْمِ لا يجْرِمَنّكُمْ شِقاقي } ، يقول : لا يحملنكم عداوتي وبغضي وفراق الدين الذي أنا عليه ، على الإصرار على ما أنتم عليه من الكفر بالله وعبادة الأوثان ، وبخس الناس في المكيال والميزان ، وترك الإنابة والتوبة ، فيصِيبكم مثلُ ما أصابَ قومَ نوحٍ من الغرق ، أوْ قومَ هودٍ من العذاب ، أوْ قَوْمَ صَالحٍ من الرجفة . وما قَوْمُ لُوطٍ الذين ائتفكت بهم الأرض مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ هلاكهم ، أفلا تتعظون به وتعتبرون ؟ يقول : فاعتبروا بهؤلاء ، واحذروا أن يصيبكم بشقاقي مثل الذي أصابهم . كما :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { لا يجْرِمَنّكُمْ شِقاقي } ، يقول : لا يحملنكم فراقي إنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أصاب قَوْمَ نُوحٍ . . . الآية .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { لا يَجْرِمَنّكُمْ شِقاقي } ، يقول : لا يحملنكم شقاقي .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { لاَ يَجْرِمَنّكُمْ شقاقي } ، قال : عداوتي وبغضائي وفراقي .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ } ، قال : إنما كانوا حديثا منهم قريبا ، يعني : قوم نوح وعاد وثمود وصالح .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ } ، قال : إنما كانوا حديثي عهد قريب بعد نوح وثمود .
قال أبو جعفر : وقد يحتمل أن يقال : معناه : وما دار قوم لوط منكم ببعيد .
{ لا يجرمنكم } معناه : لا يكسبنكم ، يقال : جرمه كذا وكذا وأجرمه إذا أكسبه ، كما يقال : كسب وأكسب بمعنى{[6477]} ، ومن ذلك قول الشاعر :
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة*** جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا{[6478]}
وقرأ الجمهور «يَجرمنكم » بفتح الياء ، وقرأ الأعمش وابن وثاب «يُجرمنكم » بضمها ، و { شقاقي } معناه : مشاقتي وعداوتي{[6479]} ، و { أن } مفعولة ب { يجرمنكم } .
وكانت قصة قوم لوط أقرب القصص عهداً بقصة قوم شعيب ، وقد يحتمل أن يريد وما منازل قوم لوط منكم ببعيد ، فكأنه قال : وما قوم لوط منكم ببعيد بالمسافة ، ويتضمن هذا القول ضرب المثل لهم بقوم لوط .
وقرأ الجمهور «مثلُ » بالرفع على أنه فاعل { يصبكم } وقرأ مجاهد والجحدري وابن أبي إسحاق «مثلَ » بالنصب ، وذلك على أحد وجهين : إما أن يكون «مثل » فاعلاً ، وفتحة اللام فتحة بناء لما أضيف لغير متمكن ، فإن «مثل » قد يجري مجرى الظروف في هذا الباب وإن لمن يكن ظرفاً محضاً .
وإما أن يقدر الفاعل محذوفاً يقتضيه المعنى ، ويكون «مثلَ » منصوباً على النعت لمصدر محذوف تقديره : إصابة مثل .
تقدم الكلام على النكتة في إعادة النداء في الكلام الواحد لمخاطب متّحد قريباً .
وتقدم الكلام على { لا يجرمنكم } عند قوله تعالى : { ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تَعتدوا } في أول [ العقود : 2 ] ، أي لا يكسبنكم .
والشقاق : مصدر شاقّه إذا عاداه . وقد مضت عند قوله تعالى : { ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله } في أول [ الأنفال : 13 ] .
والمعنى : لا تجر إليكم عداوتكم إياي إصابتَكم بمثل ما أصاب قوم نوح إلى آخره ، فالكلام في ظاهره أنه ينهى الشقاق أن يجر إليهم ذلك . والمقصود نهيهم عن أن يجعلوا الشّقاق سبباً للإعراض عن النظر في دعوته ، فيوقعوا أنفسهم في أن يصيبهم عذاب مثل ما أصاب الأمم قبلهم فيحسبوا أنهم يمكرون به بإعراضهم وما يمكرون إلاّ بأنفسهم .
ولقد كان فضْح سوء نواياهم الدّاعية لهم إلى الإعراض عن دعوته عقب إظهار حسن نيّته ممّا دعاهم إليه بقوله : { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت } [ هود : 88 ] مصادفاً مَحزّ جَوْدة الخطابة إذ رماهم بأنّهم يعملون بضدّ ما يعاملهم به .
وجملة { وما قوم لوط منكم ببعيد } في موضع الحال من ضمير النّصب في قوله : { أن يصيبكم } والواو رابطة الجملة . ولمعنى الحال هنا مزيد مناسبة لمضمون جملتها إذ اعتبر قرب زمانهم بالمخاطبين كأنّه حالة من أحوال المخاطبين .
والمراد بالبُعد بُعد الزمن والمكان والنسب ، فزمن لوط عليه السّلام غير بعيد في زمن شعيب عليه السّلام ، والدّيار قريبة من ديارهم ، إذ منازل مدين عند عقبة أيلة مجاورة معان ممّا يلي الحجاز ، وديار قوم لوط بناحية الأردن إلى البحر الميت وكان مدين بن إبراهيم عليهما السّلام وهو جد القبيلة المسماة باسمه ، متزوجاً بابنة لوط .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.