بِسمِ اللّهِ الرحمَن الرّحِيمِ
القول في تأويل قوله تعالى : { كَهيعَصَ } .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى ذكره : كاف من كهيعص فقال بعضهم : تأويل ذلك أنها حرف من اسمه الذي هو كبير ، دلّ به عليه ، واستغنى بذكره عن ذكر باقي الاسم . ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في هذه الاَية كهيعص قال : كبير ، يعني بالكبير : الكاف من كهيعص .
حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، كان يقول كهيعص قال : كاف : كبير .
حدثني أبو السائب ، قال : أخبرنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير في كهيعص قال : كاف : كبير .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحم بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن حصين ، عن إسماعيل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، نحوه .
وقال آخرون : بل الكاف من ذلك حرف من حروف اسمه الذي هو كاف . ذكر من قال ذلك :
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : أخبرنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد ، في قوله كهيعص قال : كاف : كافٍ .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : أخبرنا أبو روق ، عن الضحاك بن مزاحم في قوله : كهيعص قال : كاف : كافٍ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام عن عنبسة ، عن الكلبي مثله .
وقال آخرون : بل هو حرف من حروف اسمه الذي هو كريم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير كهيعص قال : كاف من كريم .
وقال الذين فسروا ذلك هذا التفسير الهاء من كهيعص : حرف من حروف اسمه الذي هو هاد . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا أبو حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان يقول في الهاء من كهيعص : هاد .
حدثنا أبو حصين ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن إسماعيل ، عن سعيد ، مثله .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير نحوه .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حُصَين ، عن إسماعيل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثني يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، قال : ها : هاد .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : أخبرنا أبو روق ، عن الضحاك بن مزاحم ، في قوله كهيعص قال : ها : هاد .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عنبسة ، عن الكلبيّ ، مثله .
واختلفوا في تأويل الياء من ذلك ، فقال بعضهم : هو حرف من حروف اسمه الذي هو يمين . ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو حصين ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : «يا » من كهيعص ياء يمين .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن حُصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير مثله .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن حُصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ياء : يمين .
وقال آخرون : بل هو حرف من حروف اسمه الذي هو حكيم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير كهيعص قال : يا : من حكيم .
وقال آخرون : بل هي حرف من قول القائل : يا من يجير . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا إبراهيم بن الضريس ، قال : سمعت الربيع بن أنس في قوله كهيعص قال : يا من يجير ولا يجار عليه .
واختلف متأوّلو ذلك كذلك في معنى العين ، فقال بعضهم : هي حرف من حروف اسمه الذي هو عالم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد كهيعص قال : عين من عالم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن الكلبي ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا عمرو ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن العلاء بن المسيب بن رافع ، عن أبيه ، في قوله كهيعص قال : عين : من عالم .
وقال آخرون : بل هي حرف من حروف اسمه الذي هو عزيز . ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو حصين ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس كهيعص عين : عزيز .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حصين ، عن إسماعيل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير مثله .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير مثله .
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير ، في قوله كهيعص قال : عين عزيز .
وقال آخرون : بل هي حرف من حروف اسمه الذي هو عدل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : أخبرنا أبو روق ، عن الضحاك بن مزاحم ، في قوله كهيعص قال : عين : عدل .
وقال الذين تأوّلوا ذلك هذا التأويل : الصاد من قوله كهيعص : حرف من حروف اسمه الذي هو صادق . ذكر الرواية بذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان يقول في كهيعص صاد : صادق .
حدثني أبو حصين ، قال : حدثنا عبثر ، قال : حدثنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حصين ، عن إسماعيل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير مثله .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : أخبرنا أبو روق ، عن الضحاك بن مزاحم ، قال : صاد : صادق .
حدثني يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد ، قال : صادق ، يعني الصاد من كهيعص .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد كهيعص قال : صاد صادق .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عنبسة ، عن الكلبي ، قال : صادق .
وقال آخرون : بل هذه الكلمة كلها اسم من أسماء الله تعالى . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن خالد بن خداش ، قال : ثني سالم بن قتيبة ، عن أبي بكر الهُذَليّ ، عن عاتكة ، عن فاطمة ابنة عليّ قالت : كان عليّ يقول : يا كهيعص : اغفر لي .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : كهيعص قال : فإنه قسم أقسم الله به ، وهو من أسماء الله .
وقال آخرون : كلّ حرف من ذلك اسم من أسماء الله عزّ وجلّ . ذكر من قال ذلك :
حدثني مطر بن محمد الضبي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن عبد العزيز بن مسلم القسملي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، قال : كهيعص ليس منها حرف إلا وهو اسم .
وقال آخرون : هذه الكلمة اسم من أسماء القرآن . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله كهيعص قال : اسم من أسماء القرآن .
قال أبو جعفر : والقول في ذلك عندنا نظير القول في الم وسائر فواتح سور القرآن التي افتتحت أوائلها بحروف المعجم ، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى قبل ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .
هذه السورة مكية بإجماع ، إلا السجدة منها ، فقالت فرقة هي مكية ، وقالت فرقة : هي مدنية{[1]}
اختلف الناس في الحروف التي في أوائل السور على قولين فقالت فرقة : هو سر الله في القرآن لا ينبغي أن يعرض له ، يؤمن بظاهره ويترك باطنه . وقال الجمهور بل ينبغي أن يتكلم فيها وتطلب معانيها فإن العرب قد تأتي بالحرف الواحد دالاً على كلمة وليس في كتاب الله ما لا يفهم ، ثم اختلف هذا الجمهور على أقوال قد استوفينا ذكرها في سورة البقرة ، ونذكر الآن ما يختص بهذه السورة . قال ابن عباس وابن جبير والضحاك هذه حروف دالة على أسماء من أسماء الله تعالى الكاف من «كبير » وقال ابن جبير أيضاً الكاف من «كاف » وقال أيضاً هي من «كريم » فمقتضى أقواله أنها دالة على كل اسم فيه كاف من أسمائه تعالى . قالوا والهاء من «هاد » والياء من «علي » وقيل من «حكيم » وقال الربيع بن أنس هي من «يأمن » لا يجير ولا يجار عليه . قال ابن عباس والعين من «عزيز » وقيل من «عليم » وقيل من «عدل » ، والصاد من «صادق » وقال قتادة بل { كهيعص } بجملته اسم السورة ، وقالت فرقة بل هي اسم من أسماء الله تعالى . وروي عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه أنه كان يقول يا { كهيعص } اغفر لي ، فهذا يحتمل أن تكون الجملة من أسماء الله تعالى ويحتمل ان يريد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن ينادي الله تعالى بجميع الأسماء التي تضمنها { كهيعص } ، كأنه أراد أن يقول «يا كريم يا هادي يا علي يا عزيز يا صادق » اغفر ، فجمع هذا كله باختصار في قوله يا { كهيعص } . وقال ابن المستنير وغيره { كهيعص } عبارة عن حروف المعجم ، ونسبه الزجاج الى أكثر أهل اللغة ، أي هذه الحروف منها { ذكر رحمة ربك عبده زكريا } وعلى هذا يتركب قول من يقول ارتفع { ذكرُ } بانه خبر عن { كهيعص } ، وهي حروف تهج يوقف عليها بالسكون . وقرأ الجميع كاف بإثبات الألف والفاء . وقرأ نافع الهاء والياء وبين الكسر والفتح ولا يدغم الدال في الذال{[7914]} ، وقرأ ابن كثير ونافع أيضاً بفتح الهاء والياء ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن بضم الهاء وفتح الياء ، وروي عنه ضم الياء ، وروي عنه أنه قرأ كاف بضم الفاء .
قال أبو عمرو الداني : معنى الضم في الهاء والياء إشباع التفخيم وليس الضم الخالص الذي يوجب القلب ، وقرأ أبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء ، وقرأ عاصم بكسرها ، وقرأت فرقة بإظهار النون من عين وهي قراءة حفص عن عاصم وهو القياس إذ هي حروف منفصلة ، وقرأ الجميع غيره بإخفاء النون جعلوها في حكم الاتصال ، وقرأ الأكثر بإظهار الدال من صاد ، وقرأ أبو عمرو بإدغامه في الذال من قوله { ذكر } ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع بإظهار هذه الحروف كلها وتخليص بعضها من بعض .
اسم هذه السورة في المصاحف وكتب التفسير وأكثر كتب السنة سورة مريم . ورويت هذه التسمية عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الطبراني والديلمي ، وابن منده ، وأبو نعيم ، وأبو أحمد الحاكم : عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن أبيه عن جده أبي مريم قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إنه ولدت لي الليلة جارية ، فقال : والليلة أنزلت علي سورة مريم فسمها مريم . فكان يكنى أبا مريم ، واشتهر بكنيته . واسمه نذير ، ويظهر أنه أنصاري .
وابن عباس سماها سورة كهيعص ، وكذلك وقعت تسميتها في صحيح البخاري في كتاب التفسير في أكثر النسخ وأصحها . ولم يعدها جلال الدين في الإتقان في عداد السور المسماة باسمين ولعله لم ير الثاني اسما .
وهي مكية عند الجمهور . وعن مقاتل : أن آية السجدة مدنية . ولا يستقيم هذا القول لاتصال تلك الآية بالآيات قبلها إلا أن تكون ألحقت بها في النزول وهو بعيد .
وذكر السيوطي في الإتقان قولا بأن قوله تعالى { وإن منكم إلا واردها } الآية مدني ، ولم يعزه لقائل .
وهي السورة الرابعة والأربعون في ترتيب النزول ؛ نزلت بعد سورة فاطر وقبل سورة طه . وكان نزول سورة طه قبل إسلام عمر بن الخطاب كما يؤخذ من قصة إسلامه فيكون نزول هذه السورة أثناء سنة أربع من البعثة مع أن السورة مكية ، وليس أبو مريم هذا معدودا في المسلمين الأولين فلا أحسب الحديث المروي عنه مقبولا .
ووجه التسمية أنها بسطت فيها قصة مريم وابنها وأهلها قبل أن تفصل في غيرها . ولا يشبهها في ذلك إلا سورة آل عمران التي نزلت في المدينة .
وعدت آياتها في عدد أهل المدينة ومكة تسعا وتسعين . وفي عدد أهل الشام والكوفة ثمانا وتسعين .
ويظهر أن هذه السورة نزلت للرد على اليهود فيما اقترفوه من القول الشنيع في مريم وابنها ، فكان فيها بيان نزاهة آل عمران وقداستهم في الخير .
وهل يثبت الخطي إلا وشيجه ثم التنويه بجمع من الأنبياء والمرسلين من أسلاف هؤلاء وقرابتهم . والإنحاء على بعض خلفهم من ذرياتهم الذين لم يكونوا على سننهم في الخير من أهل الكتاب والمشركين وأتوا بفاحش من القول إذ نسبوا لله ولدا ، وأنكر المشركون منهم البعث وأثبت النصارى ولدا لله تعالى .
والتنويه بشأن القرآن في تبشيره ونذارته . وأن الله يسره بكونه عربيا ليسر تلك اللغة .
والإنذار مما حل بالمكذبين من الأمم من الاستئصال .
واشتملت على كرامة زكريا إذ أجاب الله دعاءه فرزقه ولدا على الكبر وعقر امرأته .
وكرامة مريم بخارق العادة في حملها وقداسة ولدها ، وهو إرهاص لنبوءة عيسى عليه السلام ، ومثله كلامه في المهد .
والتنويه بإبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، وموسى ، وإسماعيل ، وإدريس عليه السلام .
وحكاية إنكار المشركين البعث بمقالة أبي بن خلف والعاصي ابن وائل وتبجحهم على المسلمين بمقامهم ومجامعهم .
وإنذار المشركين أن أصنامهم التي اعتزوا بها سيندمون على اتخاذها .
ووعد الرسول النصر على أعدائه .
وذكر ضرب من كفرهم بنسبة الولد لله تعالى .
والتنويه بالقرآن ولملته العربية ، وأنه بشير لأوليائه ونذير بهلاك معانديه كما هلكت قرون قبلهم .
وقد تكرر في هذه السورة صفة الرحمان ست عشرة مرة ، وذكر اسم الرحمة أربع مرات ، فأنبأ بأن من مقاصدها تحقيق وصف الله تعالى بصفة الرحمان . والرد على المشركين الذين تقعروا بإنكار هذا الوصف كما حكى الله تعالى عنهم في قوله في سورة الفرقان { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن } .
ووقع في هذه السورة استطراد بآية { وما نتنزل إلا بأمر ربك } .
حروف هجاء مرسومة بمسمياتها ومقروءة بأسمائها فكأنها كتبت لمن يتهجاها . وقد تقدم القول في مجموع نظائرها . وفي المختار من الأقوال منها في سورة البقرة وكذلك موقعها من الكلام .
والأصل في النطق بهذه الحروف أن يكون كل حرف منها موقوفاً عليه ، لأنّ الأصل فيها أنها تعداد حروف مستقلة أو مختزلة من كلمات .
وقرأ الجمهور جميع أسماء هذه الحروف الخمسة بإخلاص الحركات والسكون بإسكان أواخر أسمائها .
وقرأ أبو عمرو ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، ويعقوب اسمَ الحرف الثاني وهو { ها } بالإمالة . وفي رواية عن نافع وابن كثير ( ها ) بحركة بين الكسر والفتح . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ( يا ) بالإمالة .
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وعاصم ، وأبو جعفر بإظهار دَال ( صاد ) . وقرأ الباقون بإدغامه في ذال ذكر { رحمة ربك } [ مريم : 2 ] وإنما لم يمد ( ها ) و ( يا ) مع أنّ القارىء إنما ينطق بأسماء هذه الحروف التي في أوائل السور لا بمسمياتها المكتوبة أشكالُها ، واسمَا هذين الحرفين مختومان بهمزة مخففة للوجه الذي ذكرناه في طالع سورة يونس وهو التخفيف بإزالة الهمزة لأجل السكت .
واعلم أنك إن جريت على غير المختار في معاني فواتح السور ، فأما الأقوال التي جعلت الفواتح كلها متحدة في المراد فالأمر ظاهر ، وأما الأقوال التي خصت بعضها بمعان ، فقيل في معنى { كهيعص } إن حروفها مقتضبة من أسمائه تعالى : الكافي أو الكريم أو الكبير ، والهاء من هادي ، والياء من حكيم أو رحيم ، والعين من العليم أو العظيم ، والصاد من الصادق ، وقيل مجموعها اسم من أسمائه تعالى ، حتى قيل هو الاسم الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب ، وقيل اسم من أسماء القرآن ، أي بتسمية جديدة ، وليس في ذلك حديث يعتمد .