فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{كٓهيعٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة مريم

هي مكية وآياتها ثمان أو تسع وتسعون آية

قال ابن عباس : أنزلت بمكة . وعن الزبير وعائشة مثله ، وفي البيضاوي ، إلا آية السجدة ، وفي الجلالين : إلا سجدتها فمدنية ، أو وإلا { فخلف من بعدهم خلف } الآيتان وأخرج أحمد والبيهقي وابن أبي حاتم عن أم سلمة أن النجاشي قال لجعفر ابن أبي طالب :هل معك مما جاء به_يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم_ عن الله شيء ؟ قال : نعم ؛ فقرأ صدرا من ( كهيعص ) فبكى النجاشي{[1]} حتى أخضلت لحيته وبكت أساقفته ، حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلي عليهم ، ثم قال النجاشي : إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة وقد ذكر ابن إسحاق القصة بطولها .

وقد تقدم في الجزء الأول من هذا التفسير أن أسماء السور وترتيبها ، وترتيب الآيات توقيفي ، ولم تذكر امرأة باسمها صريحا في القرآن إلا مريم فذكرت فيه في ثلاثين موضعا .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ كهيعص ( 1 ) ذكر رحمة ربك عبده زكريا ( 2 ) إذ نادى ربه نداء خفيا ( 3 ) قال ربي إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا ( 4 ) وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا ( 5 ) يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربي رضيا ( 6 ) يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ( 7 ) } .

{ كهيعص } قال ابن عباس : كبير هاد أمين عزيز صادق . وعن ابن مسعود وناس من الصحابة :هو الهجاء المقطع الكاف من الملك والهاء من الله والياء والعين من العزيز والصاد من المصور .

وعن أم هانئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كاف هاد عالم صادق ، وعن علي كان يقول يا كهيعص اغفر لي ، وعن السدي قال : كان ابن عباس يقول : في كهيعص ، وحم ، ويس ، وأشباه هذا هو باسم الله الأعظم وعن ابن عباس : هو قسم أقسم الله به ، وهو من أسماء الله وقال قتادة : هو اسم من أسماء القرآن ، وقيل هو اسم السورة . وعن الكلبي : هو ثناء أثنى الله به على نفسه .

وكما وقع الخلاف في هذا وأمثاله بين الصحابة ، وقع بين من بعدهم ، ولم يصح مرفوعا في ذلك شيء . ومن روي عنه من الصحابة في ذلك شيء فقد روي عن غيره ما يخالفه ، وقد يروى عن الصحابي نفسه التفاسير المتخالفة المتناقضة في هذه الفواتح ، فلا يقوم شيء من ذلك حجة ، بل الحق الوقف ، ورد لعلم في مثلها إلى الله سبحانه ، ولذا قال في الجلالين : الله أعلم بمراده بذلك . وفي الخطيب أنه من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه . وقد قدمنا تحقيق هذا في فاتحة سورة البقرة .


[1]:ثم بفتح الثاء أي هناك.