فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{كٓهيعٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة مريم

هي مكية وآياتها ثمان وتسعون آية

أخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال : أنزلت بمكة سورة " كهيعص " . وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال : نزلت سورة مريم بمكة . وأخرج ابن مردويه عن عائشة مثله . وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن أم سلمة أن النجاشي قال لجعفر بن أبي طالب : هل معك مما جاء به : يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله شيء ؟ قال : نعم ، فقرأ عليه صدراً من " كهيعص " فبكى النجاشي حتى أخضل لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ، ثم قال النجاشي : إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة . وقد ذكر ابن إسحاق القصة بطولها .

قوله : { كهيعص } قرأ أبو جعفر هذه الحروف مقطعة ، ووصلها الباقون ، وأمال أبو عمرو الهاء وفتح الياء ، وعكس ذلك ابن عامر وحمزة ، وأمالهما جميعاً الكسائي وأبو بكر وخلف ، وقرأهما بين اللفظين أهل المدينة وفتحهما الباقون . وعن خارجة أن الحسن كان يضم كاف ، وحكي عن غيره أنه كان يضم «ها » . وقال أبو حاتم : لا يجوز ضمّ الكاف ولا الهاء ولا الياء . قال النحاس : قراءة أهل المدينة من أحسن ما في هذا ، والإمالة جائزة في «ها » وفي «يا » وقد اعترض على قراءة الحسن جماعة . وقيل في تأويلها : أنه كان يشمّ الرفع فقط . وأظهر الدال من هجاء «صاد » نافع وأبو جعفر وابن كثير وعاصم ويعقوب ، وهو اختيار أبي عبيد وأدغمها الباقون . وقد قيل في توجيه هذه القراءات : أن التفخيم هو الأصل ، والإمالة فرع عنه ، فمن قرأ بتفخيم الهاء والياء فقد عمل بالأصل ، ومن أمالهما فقد عمل بالفرع ، ومن أمال أحدهما وفخم الآخر فقد عمل بالأمرين ، وقد تقدم الكلام في هذه الحروف الواقعة في فواتح السورة مستوفى في أوائل سورة البقرة ، ومحل هذه الفاتحة إن جعلت اسماً للسورة على ما عليه الأكثر الرفع على أنها مبتدأ خبرها ما بعدها ، قاله الفراء . واعترضه الزجاج فقال : هذا محال لأن { كهيعص } ليس هو مما أنبأنا الله عزّ وجلّ به عن زكريا ، وقد أخبر الله تبارك وتعالى عنه وعما بشر به ، وليس { كهيعص } من قصته ، أو على أنها خبر مبتدأ محذوف ، وإن جعلت مسرودة على نمط التعديد . فقوله : { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبّكَ } خبر لمبتدأ محذوف أي : هذا ذكر رحمة ربك وقيل : هو مبتدأ خبره محذوف أي : فيما يتلى عليك ذكر رحمة ربك .

/خ11