تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَجۡعَلُونَ لِمَا لَا يَعۡلَمُونَ نَصِيبٗا مِّمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡۗ تَٱللَّهِ لَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَفۡتَرُونَ} (56)

يخبر تعالى عن قبائح المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأصنام والأوثان والأنداد ، وجعلوا لها نصيبا مما رزقهم الله فقالوا : { هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ [ بغير علم ]{[16491]} وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ } [ الأنعام : 136 ] ، أي : جعلوا لآلهتهم نصيبًا مع الله ، وفضلوهم{[16492]} أيضًا على جانبه ، فأقسم الله تعالى بنفسه الكريمة ليسألنهم عن ذلك الذي افتروه ، وائتفكوه ، وليقابلنهم{[16493]} عليه ، وليجازينهم أوفر الجزاء في نار جهنم ، فقال : { تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } .


[16491]:زيادة من "ف".
[16492]:في ف: "وفضلوها".
[16493]:في أ: "وليقابلهم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَجۡعَلُونَ لِمَا لَا يَعۡلَمُونَ نَصِيبٗا مِّمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡۗ تَٱللَّهِ لَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَفۡتَرُونَ} (56)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنّ عَمّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ويجعل هؤلاء المشركون من عَبَدة الأوثان ، لما لا يعلمون منه ضرّا ولا نفعا نَصِيبا ، يقول : حظّا وجزاء مما رزقناهم من الأموال ، إشراكا منهم له الذي يعلمون أنه خلقهم ، وهو الذي ينفعهم ويضرّهم دون غيره . كالذي :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : ويَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبا مِمّا رزَقْناهُمْ قال : يعلمون أن الله خلقهم ويضرّهم وينفعهم ، ثم يجعلون لما لا يعلمون أنه يضرّهم ولا ينفعهم نصيبا مما رزقناهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ويَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبا مِمّا رَزَقْناهُمْ ، وهم مشركو العرب ، جعلوا لأوثانهم نصيبا مما رزقناهم ، وجزءا من أموالهم يجعلونه لأوثانهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ويَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبا مِمّا رزَقْناهُمْ ، قال : جعلوا لآلهتهم التي ليس لها نصيب ولا شيء ، جعلوا لها نصيبا مما قال الله من الحرث والأنعام ، يسمون عليها أسماءها ويذبحون لها .

وقوله : تاللّهِ لَتُسْئَلُنّ عَمّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ، يقول تعالى ذكره : والله أيها المشركون الجاعلون الآلهة والأنداد نصيبا فيما رزقناكم شركا بالله وكفرا ، ليسألنكم الله يوم القيامة عما كنتم في الدنيا تفترون ، يعني : تختلقون من الباطل والإفك على الله بدعواكم له شريكا ، وتصييركم لأوثانكم فيما رزقكم نصيبا ، ثم ليعاقبنكم عقوبة تكون جزاء لكفرانكم نعمه ، وافترائكم عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَجۡعَلُونَ لِمَا لَا يَعۡلَمُونَ نَصِيبٗا مِّمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡۗ تَٱللَّهِ لَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَفۡتَرُونَ} (56)

الضمير في قوله : { ويجعلون } ، للكفار ، وقوله : { لما لا يعلمون } ، يريد الأصنام ، ومعناه : لا يعلمون فيهم حجة ولا برهاناً ، ويحتمل أن يريد بقوله : { يعلمون } ، الأصنام ، أي : يجعلون لجمادات لا تعلم شيئاً { نصيباً } ، فالمفعول محذوف ، ثم عبر عنهم بعبارة من يعقل ، بحسب مذهب الكفار الذين يسندون إليها ما يسند إلى من يعقل ، وبحسب أنه إسناد منفي ، وهذا كله ضعيف ، و «النصيب » المشار إليه ، هو ما كانت العرب سنته من الذبح لأصنامها والإهداء إليها ، والقسم لها من الغلات ، ثم أمر الله تعالى نبيه عليه السلام ، أن يقسم لهم أنهم سيسألون على افترائهم ، في أن تلك السنن هي الحق الذي أمر الله به ، كما قال بعضهم ، و «الفرية » : اختلاق الكذب .