فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيَجۡعَلُونَ لِمَا لَا يَعۡلَمُونَ نَصِيبٗا مِّمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡۗ تَٱللَّهِ لَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَفۡتَرُونَ} (56)

{ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ ( 56 ) }

ثم حكى سبحانه ، نوعا آخر من قبائح أعمالهم ، فقال : { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ } ، أي : يقع منهم هذا الجعل ، بعدما وقع منهم الجؤار إلى الله سبحانه في كشف الضر عنهم ، وما تعقب كشفه عنهم ، من الكفر منهم بالله والإشراك به ، ومع ذلك يجعلون لما لا يعلمون حقيقته ، من الجمادات والشياطين نصيبا من أموالهم يتقربون به إليه .

وقيل المعنى : إنهم ، أي : الكفار يجعلون للأصنام ، وهم لا يعلمون شيئا ؛ لكونهم جمادات ، وأجراها مجرى العقلاء ، جريا على اعتقاد الكفار فيها ، وحاصل المعنى : ويجعل هؤلاء الكفار للأصنام التي لا تعقل شيئا ، نصيبا من أموالهم ، التي رزقهم الله إياها . قال مجاهد : يعلمون أن الله خلقهم ويضرهم وينفعهم ، ثم يجعلون لما لا يعلمون إنه يضرهم وينفعهم ، نصيبا مما رزقناهم .

وقال قتادة : هم مشركو العرب ، جعلوا لأوثانهم وشياطينهم مما رزقهم الله ، وجزءوا من أموالهم جزءا ، فجعلوه لهم ، وعن السدي قال : هو قولهم هذا لله ، بزعمهم ، وهذا لشركائنا .

{ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ } ، أقسم بنفسه على نفسه ، أنه يسألهم يوم القيامة ، وهذا رجوع من الغيبة إلى الخطاب ، وهو من بديع الكلام وبليغه ، وهذا السؤال سؤال تقريع وتوبيخ . { عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ } ، أي : تختلقونه من الكذب ، على الله سبحانه في الدنيا .