إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَيَجۡعَلُونَ لِمَا لَا يَعۡلَمُونَ نَصِيبٗا مِّمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡۗ تَٱللَّهِ لَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَفۡتَرُونَ} (56)

{ وَيَجْعَلُونَ } ، لعله عطف على ما سبق ، بحسب المعنى ، تعداداً لجناياتهم ، أي : يفعلون ما يفعلون من الجُؤار إلى الله تعالى عند مِساس الضرر ، ومن الإشراك به عند كشفِه ، ويجعلون { لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ } ، أي : لما لا يعلمون حقيقتَه وقدرَه ، الخسيسَ من الجمادات التي يتخذونها شركاء لله سبحانه ، جهالةً وسَفاهةً ، ويزعُمون أنها تنفعهم وتشفعَ لهم ، على أن " ما " موصولةٌ ، والعائدُ إليها محذوف ، أو لما لا علم له أصلاً ، وليس من شأنه ذلك ، ف " ما " موصولةٌ أيضاً ، والعائدُ إليها " ما " في الفعل من الضمير المستكنْ ، وصيغةُ جمعِ العقلاءِ ، لكون ( ما ) عبارةً عن آلهتهم ، التي وصفوها بصفات العقلاءِ ، أو مصدريةٌ ، واللامُ للتعليل ؛ أي : لعدم علمِهم ، والمجعولُ له محذوفٌ ؛ للعلم بمكانه . { نَصِيبًا مّمّا رزقناهم } ، من الزرع والأنعام وغيرِهما ، تقرباً إليها . { تالله لَتُسْأَلُنَّ } ، سؤالَ توبيخٍ وتقريع . { عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } ، في الدنيا بآلهة حقيقةٍ بأن يُتقرَّب إليها ، وفي تصدير الجملةِ بالقسم ، وصرفِ الكلامِ من الغَيبة إلى الخطاب المنبئ عن كمال الغضبِ من شدة الوعيد ، ما لا يخفى .