قوله : { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً } الآية ، لما بيَّن فساد قول أهل الشرك بالدلائل القاهرة ، شرح في هذه الآية تفاصيل أقوالهم .
قوله : { لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ } الضمير في قوله : " يَعْلمُونَ " ، يجوز أن يعود للكفار ، أي : لما يعلم ، ومعنى " لا يَعْلمُونَ " : أنهم يسمُّونها آلهة ، ويعتقدون أنَّها تضرُّ ، وتنفع ، وتشفع ؛ وليس الأمر كذلك . ويجوز أن تكون للآلهة ، وهي الأصنام ، أي : الأشياء غير موصوفةٍ بالعلم .
قال بعضهم : والأوَّل أولى ؛ لأنَّ نفي العلم عن الحي حقيقةٌ ، وعن الجمادِ مجازٌ ، وأيضاً : الضمير في " ويَجْعَلُونَ " ، عائدٌ إلى المشركين ، فكذلك في قوله : { لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ } ، وأيضاً فقوله : { لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ } جمعٌ بالواو والنون ، وهو بالعقلاءِ أليق منه بالأصنام .
وقيل : الثاني أولى ؛ لأنَّا إذا أعدناه إلى المشركين ؛ افتقرنا إلى إضمار ؛ فإن التقدير : ويجعلون لما لا يعلمون إلهاً ، أو لما لا يعلمون كونه نافعاً ضارًّا ، وإذا أعدناه إلى الأصنام ، لم نفتقر إلى الإضمار ؛ لأن التقدير : ويجعلون لما لا علم لها .
وأيضاً : لو كان هذا العلم مضافاً إلى المشركين ، لفسد المعنى ؛ لأنه من المحال أن يجعلوا نصيباً مما رزقهم ، لما لا يعلمونه .
فإذا قلنا بالقول الأول ، احتجنا إلى الإضمار ، وذلك يحتمل وجوهاً :
أحدها : ويجعلون لما لا يعلمون له حقًّا ، ولا يعلمون في طاعته [ نَفْعاً ] ، ولا في الإعراضِ عنه ضُرًّا . قال مجاهدٌ : يعلمون أنَّ الله خلقهم ويضرُّهم وينفعهم ، ثم يجعلون لما لا يعلمون أنَّه ينفعهم ، ويضرُّهم نصيباً{[19893]} .
وثانيها : ويجعلون لما لا يعلمون إلهيَّتها .
وثالثها : ويجعلون لما لا يعلمون السبب في صيرورتها آلهة معبودة .
قوله : " نَصِيباً " هو المفعول الأول للجعل ، والجارُّ قبله هو الثاني ، أي : ويصيِّرون الأصنام .
[ وقوله : ] { مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ } يجوز أن يكون نعتاً ل " نَصِيباً " وأن يتعلق بالجعل ، ف " مِنْ " على الأول للتبعيض ، وعلى الثاني للابتداء .
أحدها : أنهم جعلوا لله نصيباً من الحرثِ ، والأنعامِ ؛ يتقرَّبون به إلى الله ، ونصيباً للأصنام ؛ يتقربون به إليها ، كما تقدم في آخر سورة الأنعام .
والثاني : قال الحسنُ - رحمه الله - : المراد بهذا النصيب : البَحِيرةُ ، والسَّائبةُ ، والوَصِيلةُ ، والحَامِ{[19894]} .
والثالث : ربما اعتقدوا في بعض الأشياء ، أنَّه لما حصل بإعانة بعض تلك الأصنام ، كما أنَّ المنجمين يوزِّعون موجودات هذا العالم على الكواكب السبعة ، فيقولون : لرجلٍ كذا وكذا من المعادن ، والنبات ، والحيوان ، وللمشتري أشياء أخرى .
ثمَّ لمَّا حكى عن المشركين هذا المذهب ، قال : { تالله لَتُسْأَلُنَّ } ، وهذا في هؤلاء الأقوام خاصة بمنزلة قوله : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الحجر : 92 ، 93 ] ، فأقسم الله سبحانه وتعالى - جل ذكره - على نفسه أنَّه يسألهم ، وهذا تهديد شديد ؛ لأن المراد من هذا : أنه يسألهم سؤال توبيخٍ وتهديدٍ ، وفي وقت هذا السؤال احتمالان :
الأول : أنه يقع هذا السؤال عند قرب الموت ، ومعاينة ملائكة العذاب ، وقيل : عند عذاب القبر ، وقيل : في الآخرةِ .
الثاني : أنه يقع ذلك في الآخرة ، وهذا أولى ؛ لأنه - تعالى - قد أخبر بما يجري هناك من ضروب التوبيخ عند المسألة ، فهو إلى الوعيد أولى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.