تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

وهذا أيضا من صفاتهم القبيحة في الجبن والخوف والخور ، { يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا } بل هم قريب منهم ، وإن لهم عودة إليهم { وَإِنْ يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ } أي : ويَوَدّون إذا جاءت الأحزاب أنهم لا يكونون{[23259]} حاضرين معكم في المدينة بل في البادية ، يسألون عن أخباركم ، وما كان من أمركم مع عدوكم ، { وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا } أي : ولو كانوا بين أظهركم ، لما قاتلوا معكم إلا قليلا ؛ لكثرة جبنهم وذلتهم وضعف يقينهم .


[23259]:- في ت: "لا يكونوا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدّواْ لَوْ أَنّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مّا قَاتَلُوَاْ إِلاّ قَلِيلاً } .

يقول تعالى ذكره : يحسب هؤلاء المنافقون الأحزاب ، وهم قريش وغطفان . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني يزيد بن رومان يَحْسَبُونَ الأحْزَابُ لَمْ يَذْهَبُوا قريش وغطفان .

وقوله : لَمْ يَذْهَبُوا يقول : لم ينصرفوا ، وإن كانوا قد انصرفوا جبنا وهَلعا منهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا قال : يحسبونهم قريبا .

وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «يَحْسَبُونَ الأحْزَابَ قَدْ ذَهَبُوا ، فإذَا وَجَدُوهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا وَدّوا لَوْ أنّهُمْ بادُونَ فِي الأعْرَابِ » .

وقوله : وَإنْ يَأْتِ الأحْزَابُ يَوَدّوا لَوْ أنهُمْ بادُونَ فِي الأعْرابِ يقول تعالى ذكره : وإن يأت المؤمنين الأحزاب وهم الجماعة : واحدهم حزب يَوَدّوا يقول : يتمنوا من الخوف والجبن أنهم غيب عنكم في البادية مع الأعراب خوفا من القتل . وذلك أن قوله : لَوْ أنّهُمْ بادُونَ فِي الأعْرَابِ تقول : قد بدا فلان إذا صار في البدو فهو يبدو ، وهو باد وأما الأعراب : فإنهم جمع أعرابيّ ، وواحد العرب عربيّ ، وإنما قيل أعرابيّ لأهل البدو ، فرقا بين أهل البوادي والأمصار ، فجعل الأعراب لأهل البادية ، والعرب لأهل المصر .

وقوله : يَسأَلُونَ عَنْ أنْبائِكُمْ يقول : يستخبر هؤلاء المنافقون أيها المؤمنون الناس عن أنبائكم ، يعني عن أخباركم بالبادية ، هل هلك محمد وأصحابه ؟ نقول : يتمنون أن يسمعوا أخباركم بهلاككم ، أن لا يشهدوا معكم مشاهدكم . وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إلاّ قَلِيلاً يقول تعالى ذكره للمؤمنين : ولو كانوا أيضا فيكم ما نفعوكم ، وما قاتلوا المشركين إلاّ قليلاً . يقول : إلاّ تعذيرا ، لأنهم لا يقاتلونهم حسبة ولا رجاء ثواب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله يَسألَونَ عَنْ أنْبائِكُمْ قال : أخباركم . وقرأت قرّاء الأمصار جميعا سوى عاصم الجحدري : يَسأَلُونَ عَنْ أنْبائِكُمْ بمعنى : يسألون من قدم عليهم من الناس عن أنباء عسكركم وأخباركم ، وذكر عن عاصم الجحدري أنه كان يقرأ ذلك : «يَسّاءَلونَ » بتشديد السين ، بمعنى : يتساءلون : أي يسأل بعضهم بعضا عن ذلك .

والصواب من القول في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَحۡسَبُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ لَمۡ يَذۡهَبُواْۖ وَإِن يَأۡتِ ٱلۡأَحۡزَابُ يَوَدُّواْ لَوۡ أَنَّهُم بَادُونَ فِي ٱلۡأَعۡرَابِ يَسۡـَٔلُونَ عَنۡ أَنۢبَآئِكُمۡۖ وَلَوۡ كَانُواْ فِيكُم مَّا قَٰتَلُوٓاْ إِلَّا قَلِيلٗا} (20)

الضمير في { يحسبون } للمنافقين ، والمعنى أنهم من الجزع والفزع بحيث رحل { الأحزاب } وهزمهم الله تعالى وهؤلاء يظنون أنها من الخدع وأنهم { لم يذهبوا } بل يريدون الكرة إلى غلب المدينة ، ثم أخبر تعالى عن معتقد هؤلاء المنافقين أن ودهم لو أتى الأحزاب وحاصروا المدينة أن يكونوا هم قد خرجوا إلى البادية في جملة { الأعراب } وهم أهل العمود والرحيل من قطر إلى قطر ، ومن كان من العرب مقيماً بأرض مستوطناً فلا يمسون أعراباً وغرضهم من البداوة أن يكونوا سالمين من القتال ، وقرأ ابن عباس وطلحة بن مصرف «لو أنهم بُدّى في الأعراب » شديدة الدال منونة وهو جمع باد كغاز وغزى ، وروي عن ابن عباس «لو أنهم بدوا » ، وقرأ أهل مكة ونافع وابن كثير والحسن «يسألون » أي من ورد عليهم ، وقرأ أبو عمرو وعاصم{[9479]} والأعمش «يسلون » خفيفة بغير همز على نحو قوله { سل بني إسرائيل }{[9480]} [ البقرة : 211 ] وقرأ الجحدري وقتادة والحسن بخلاف عنه «يساءلون » أي يسأل بعضهم بعضاً . قال{[9481]} الجحدري «يتساءلون » ، ثم سلى الله تعالى عنهم وحقر شأنهم بأن أخبر أنهم لو حضروا لما أغنوا ولما { قاتلوا إلا قتالاً قليلاً } لا نفع له ، قال الثعلبي هو قليل من حيث هو رياء من غير حسبة ولو كان الله لكان كثيراً .


[9479]:في رواية أبي بكر عنه.
[9480]:من قوله تعالى في الآية(211) من سورة (البقرة):{سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة}.
[9481]:هكذا في الأصل. ولعلها: وقرأ.