تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

{ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا } أي : أزعم أن المعبود واحد لا إله إلا هو ؟ ! أنكر المشركون ذلك - قبحهم الله تعالى - وتعجبوا من ترك الشرك بالله ، فإنهم كانوا قد تلقوا عن آبائهم عبادة الأوثان وأشربته قلوبهم فلما دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خلع ذلك من قلوبهم وإفراد الله بالوحدانية أعظموا ذلك وتعجبوا وقالوا : { أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

وقوله : ( أجَعَلَ الاَلِهَةَ إِلها وَاحِدا ) : يقول : وقال هؤلاء الكافرون الذين قالوا : محمد ساحر كذّاب : أجعل محمد المعبودات كلها واحدا ، يسمع دعاءنا جميعنا ، ويعلم عبادة كل عابد عبدَه منا إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ : أي إن هذا لشيء عجيب ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( أجَعَلَ الاَلِهَةَ إلَها وَاحِدا إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ ) قال : عجب المشركون أن دُعوا إلى الله وحده ، وقالوا : يسمع لحاجاتنا جميعا إله واحد ما سمعنا بهذا في الملة الاَخرة .

وكان سبب قيل هؤلاء المشركين ما أخبر الله عنهم أنهم قالوه ، من ذلك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : «أسْأَلُكُمْ أنْ تُجِيبُونِي إلى وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَكُمْ بِها العَرَبُ ، وَتُعْطِيكُمْ بِها الخَرَاجَ العَجَمُ » فقالوا : وما هي ؟ فقال : «تقولون لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » ، فعند ذلك قالوا : ( أجَعَلَ الاَلَهَةَ إلَها وَاحِدا ) تعجبا منهم من ذلك . ذكر الرواية بذلك :

حدثنا أبو كُرَيب وابن وكيع ، قالا : حدثنا أبو أُسامة ، قال : حدثنا الأعمش ، قال : حدثنا عباد ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل بن هشام فقالوا : إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ، ويفعل ويفعل ، ويقول ويقول ، فلو بعثت إليه فنهيته فبعث إليه ، فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم فدخل البيت ، وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل ، قال : فخشي أبو جهل إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه ، فوثب فجلس في ذلك المجلس ، ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا قرب عمه ، فجلس عند الباب ، فقال له أبو طالب : أي ابن أخي ، ما بال قومك يشكونك ؟ يزعمون أنك تشتم آلهتهم ، وتقول وتقول قال : فأكثروا عليه القول ، وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «يا عَمّ إنّي أُرِيدُهُمْ عَلى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُونَهَا ، تَدِينُ لَهُمْ بِها العَرَبُ ، وَتُؤَدّي إلَيْهِمْ بِها العَجَمُ الجِزْيَةَ » ، ففزعوا لكلمته ولقوله ، فقال القوم : كلمة واحدة ؟ نعم وأبيك عَشْرا فقالوا : وما هي ؟ فقال أبو طالب : وأيّ كلمة هي يا ابن أخي ؟ قال : «لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » قال : فقاموا فِزعين ينفضون ثيابهم ، وهم يقولون : ( أجَعَلَ الاَلِهَةَ إلَها وَاحِدا إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ ) ، قال : ونزلت من هذا الموضع إلى قوله : لمّا يَذُوقُوا عَذَابِ اللفظ لأبي كريب .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن يحيى بن عمارة ، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس ، قال : مرض أبو طالب ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده ، وهم حوله جلوس ، وعند رأسه مكان فارغ ، فقام أبو جهل فجلس فيه ، فقال أبو طالب : يا ابن أخي ما لقومك يشكونك ؟ قال : «يا عَمّ أُرِيدُهُمْ عَلى كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِها العَرَبُ ، وتُؤَدّي إلَيْهِمْ بِها العَجَمُ الجِزْيَةَ » قال : ما هي ؟ قال : «لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » فقاموا وهم يقولون : ما سَمِعْنا بِهذَا في المِلّةِ الاَخرةِ إنْ هَذَا إلاّ اخْتِلاقٌ ونزل القرآن : ص والقُرآنِ ذِي الذّكْرِ ذي الشرف بَلِ الّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزّةٍ وَشِقاقٍ حتى قوله : أجَعَلَ الاَلِهَةَ إلَها وَاحِدا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن يحيى بن عمارة ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : مرض أبو طالب ، ثم ذكر نحوه ، إلا أنه لم يقل ذي الشرف ، وقال : إلى قوله : إنّ هَذَا لَشْيءٌ عُجابٌ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن يحيى بن عمارة ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : مرض أبو طالب ، قال : فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم يعوده ، فكان عند رأسه مقعدُ رجل ، فقام أبو جهل ، فجلس فيه ، فشكَوا النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أبي طالب ، وقالوا : إنه يقع في آلهتنا ، فقال : يا ابن أخي ما تريد إلى هذا ؟ قال : «يا عمّ إنّي أُريدُهُمْ على كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِها العَرَبُ ، وتُؤَدّي إلَيْهِمُ العَجَمُ الجِزْيَةَ » قال : وما هي ؟ قال : «لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » ، فقالوا : أجَعَلَ الاَلِهَةَ إلَها وَاحِدا إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

{ عجاب } : بناء مبالغة ، كما قالوا سريع وسراع ، وهذا كثير . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وعيسى بن عمر : «عجّاب » بشد الجيم ، ونحوه قول الشاعر : [ الراجز ]

جاؤوا بصيد عجب من العجب***أزيد والعينين طوال الذنب

وقد قالوا : رجل كرام ، أي كريم .