وقوله : { رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } إخبار عنهم أنهم سيندمون على ما كانوا فيه من الكفر ، ويتمنون لو كانوا مع المسلمين في الدار الدنيا . {[16063]}
ونقل{[16064]} السُّدِّيّ في تفسيره بسنده المشهور عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وغيرهما من الصحابة : أن الكفار{[16065]} لما عُرضوا على النار ، تمنوا أن لو كانوا مسلمين .
وقيل : المراد أن كل كافر يود عند احتضاره أن لو كان مؤمنا .
وقيل : هذا إخبار عن يوم القيامة ، كما في قوله تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [ الأنعام : 27 ]
وقال سفيان الثوري : عن سلمة بن كُهَيْل ، عن أبي الزعراء ، عن عبد الله في قوله : { رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } قال : هذا في الجهنميين إذ رأوهم يخرجون من النار .
وقال ابن جرير : حدثنا المثنى ، حدثنا مسلم ، حدثنا القاسم ، حدثنا ابن أبي فَرْوة العَبْدي ؛ أن ابن عباس وأنس بن مالك كانا يتأولان هذه الآية : { رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } يتأولانها : يوم يحبس الله أهل الخطايا من المسلمين مع المشركين في النار . قال : فيقول لهم المشركون : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون في الدنيا . قال : فيغضب الله لهم بفضل رحمته ، فيخرجهم ، فذلك حين يقول : { رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }
وقال عبد الرزاق : أخبرنا الثوري ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن خصيف ، عن مجاهد قال يقول أهل النار للموحدين : ما أغنى عنكم إيمانكم ؟ فإذا{[16066]} قالوا ذلك . قال : أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة . قال : فعند ذلك قوله : { [ رُبَمَا ] يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }{[16067]} {[16068]}
وهكذا روي عن الضحاك ، وقتادة ، وأبي العالية ، وغيرهم .
وقد ورد في ذلك أحاديث مرفوعة ، فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن العباس ، هو الأخرم ، حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، حدثنا صالح بن إسحاق الجهبذ{[16069]} دلني عليه يحيى بن معين{[16070]} حدثنا مُعَرّف{[16071]} بن واصل ، عن يعقوب بن أبي نباتة{[16072]} عن عبد الرحمن الأغر ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن ناسا من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم ، فيقول لهم أهل اللات والعزى : ما أغنى عنكم قولكم : لا إله إلا الله وأنتم معنا في النار ؟ . فيغضب الله لهم ، فيخرجهم ، فيلقيهم في نهر الحياة ، فيبرءون من حرقهم كما يبرأ القمر من خسوفه ، فيدخلون الجنة ، ويسمَّون فيها الجهنميين " {[16073]} فقال رجل : يا أنس ، أنت سمعتَ هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أنس : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كذب علي متعمدًا ، فليتبوأ مقعده من النار " . نعم ، أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا .
ثم قال الطبراني : تفرد به الجهبذ{[16074]} {[16075]}
الحديث الثاني : وقال الطبراني أيضا : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبو الشعثاء{[16076]} علي بن حسن الواسطي ، حدثنا خالد بن نافع الأشعري ، عن سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن أبي موسى ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا اجتمع أهل النار في النار ، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة ، قال الكفار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين ؟ قالوا : بلى . قالوا : فما أغنى عنكم الإسلام ! فقد صرتم{[16077]} معنا في النار ؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها . فسمع{[16078]} الله ما قالوا ، فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا ، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا " . قال : ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِين رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }{[16079]}
ورواه ابن أبي حاتم ، من حديث خالد بن نافع ، به ، وزاد فيه : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، عوض الاستعاذة .
الحديث الثالث : وقال الطبراني{[16080]} أيضا : حدثنا موسى بن هارون ، حدثنا إسحاق بن راهويه قال : قلت لأبي أسامة : أحدثكم أبو روق{[16081]} - واسمه عطية بن الحارث - : حدثني صالح بن أبي طريف قال : سألت أبا سعيد الخدري فقلت له : هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية : { رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } ؟ قال : نعم ، سمعته يقول : " يُخرج الله ناسا من المؤمنين من النار بعد ما يأخذ نقمته منهم " ، وقال : " لما أدخلهم الله النار مع المشركين قال لهم المشركون : تزعمون أنكم أولياء الله في الدنيا ، فما بالكم معنا في النار ؟ فإذا سمع الله ذلك منهم ، أذن في الشفاعة لهم فتشفع{[16082]} الملائكة والنبيون ، ويشفع{[16083]} المؤمنون ، حتى يخرجوا بإذن الله ، فإذا رأى المشركون ذلك ، قالوا : يا ليتنا كنا مثلهم ، فتدركنا الشفاعة ، فنخرج معهم " . قال : " فذلك قول الله : { رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } فيسمون في الجنة الجُهَنَّمِيِّين{[16084]} من أجل سَواد في وجوههم ، فيقولون : يا رب ، أذهب عنا هذا الاسم ، فيأمرهم فيغتسلون في نهر الجنة ، فيذهب ذلك الاسم عنهم " ، فأقر به أبو أسامة ، وقال : نعم . {[16085]}
الحديث الرابع{[16086]} وقال{[16087]} ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا العباس بن الوليد النرسي{[16088]} حدثنا مسكين أبو فاطمة ، حدثني اليمان بن يزيد ، عن محمد بن حِمْير{[16089]} عن محمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " منهم من تأخذه النار إلى ركبتيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته ، ومنهم من تأخذه النار إلى عنُقه ، على قدر ذنوبهم وأعمالهم ، ومنهم من يمكث فيها شهرا ثم يخرج منها ، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها ، وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تفنى ، فإذا أراد الله أن يخرجوا منها قالت اليهود والنصارى ومن في النار من أهل{[16090]} الأديان والأوثان ، لمن في النار من أهل التوحيد : آمنتم بالله وكتبه ورسله ، فنحن وأنتم اليوم في النار سواء ، فيغضب الله لهم غضبا لم يغضبه لشيء فيما مضى ، فيخرجهم إلى عين في الجنة ، وهو قوله : { رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ }{[16091]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { رّبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } .
اختلفت القراء في قراءة قوله رُبَمَا فقرأت ذلك عامة قرّاء أهل المدينة وبعض الكوفيين رُبَمَا بتخفيف الباء ، وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة بتشديدها .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان ولغتان معروفتان بمعنى واحد ، قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمة من القرّاء ، فبأيتهما قرأ القارىء فهو مصيب .
واختلف أهل العربية في معنى «ما » التي مع «ربّ » ، فقال بعض نحويي البصرة : أدخل مع «ربّ » «ما » ليتكلم بالفعل بعدها ، وإن شئت جعلت «ما » بمنزلة شيء ، فكأنك قلت : ربّ شيء ، يودّ : أي ربّ ودّ يودّه الذين كفروا . وقد أنكر ذلك من قوله بعض نحويّي الكوفة ، وقال : المصدر لا يحتاج إلى عائد ، والودّ قد وقع على «لو » ، ربما يودون لو كانوا : أن يكونوا . قال : وإذا أضمر الهاء في «لو » فليس بمفعول ، وهو موضع المفعول ، ولا ينبغي أن يترجم المصدر بشيء ، وقد ترجمه بشيء ، ثم جعله ودّا ، ثم أعاد عليه عائدا . فكان الكسائي والفرّاء يقولان : لا تكاد العرب توقع «ربّ » على مستقبل ، وإنما يوقعونها على الماضي من الفعل كقولهم : ربما فعلت كذا ، وربما جاءني أخوك . قالا : وجاء في القرآن مع المستقبل : ربما يودّ ، وإنما جاز ذلك لأن ما كان في القرآن من وعد ووعيد وما فيه ، فهو حقّ كأنه عيان ، فجرى الكلام فيما لم يكن بعدُ مجراه فيما كان ، كما قيل : وَلَوْ تَرَى إذ المُجْرمُونَ ناكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبّهِمْ وقوله : وَلَوْ تَرَى إذْ فَزعُوا فَلا فَوْتَ كأنه ماض وهو منتظر لصدقه في المعنى ، وأنه لا مكذّب له ، وأن القائل لا يقول إذا نَهَى أو أمر فعصاه المأمور يقول : أما والله لربّ ندامة لك تذكر قولي فيها لعلمه بأنه سيندم ، والله ووعده أصدق من قول المخلوقين . وقد يجوز أن يصحب «ربما » الدائم وإن كان في لفظ يفعل ، يقال : ربما يموت الرجل فلا يوجد له كفن ، وإن أُوليت الأسماء كان معها ضمير كان ، كما قال أبو دُؤاد :
رُبّمَا الجامِلُ المُؤَبّلُ فِيهِمُ *** وعَناجِيجُ بَيْنَهُنّ المِهَارُ
فتأويل الكلام : ربما يودّ الذين كفروا بالله فجحدوا وحدانيته لو كانوا في دار الدنيا مسلمين . كما :
حدثنا عليّ بن سعيد بن مسروق الكندي ، قال : حدثنا خالد بن نافع الأشعري ، عن سعيد بن أبي بردة ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، قال : بلغنا أنه : «إذا كان يوم القيامة ، واجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة ، قال الكفار لمن في النار من أهل القبلة : ألستم مسلمين ؟ قالوا : بلى ، قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار ؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأُخذنا بها . فسمع الله ما قالوا ، فأمر بكلّ من كان من أهل القبلة في النار فأخرجوا ، فقال من في النار من الكفار : يا ليتنا كنا مسلمين » ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : الر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ وقُرآنٍ مُبِينٍ رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عمرو بن الهيثم أبو قَطن القُطْعيّ ، ورَوح القيسيّ ، وعفان بن مسلم واللفظ لأبي قَطن قالوا : حدثنا القاسم بن الفضل بن عبد الله بن أبي جَرْوة ، قال : كان ابن عباس وأنس بن مالك يتأوّلان هذه الاَية : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قالا : ذلك يوم يجمع الله أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في النار وقال عفان : حين يحبس أهل الخطايا من المسلمين والمشركين فيقول المشركون : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون زاد أبو قطن : قد جُمِعنا وإياكم وقال أبو قَطن وعفان : فيغضب الله لهم بفضل رحمته ولم يقله روح بن عبادة . وقالوا جميعا : فيخرجهم الله ، وذلك حين يقول : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا أبو عوانة ، قال : حدثنا عطاء بن السائب ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في قوله : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قال : يدخل الجنة ويرحم حتى يقول في آخر ذلك : من كان مسلما فليدخل الجنة قال : فذلك قوله : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ذلك يوم القيامة يتمنى الذين كفروا لو كانوا موحدين .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الزعراء ، عن عبد الله ، في قوله : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قال : هذا في الجهنميين إذا رأوهم يخرجون من النار .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا ابن أبي فروة العبدي أن ابن عباس وأنس بن مالك كانا يتأوّلان هذه الاَية : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ يتأوّلانها يوم يحبس الله أهل الخطايا من المسلمين مع المشركين في النار ، قال : فيقول لهم المشركون : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون في الدنيا ، قال : فيغضب الله لهم بفضل رحمته ، فيخرجهم ، فذلك حين يقول : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : ما يزال الله يُدخل الجنة ، ويرحم ويشفع حتى يقولَ : من كان من المسلمين فليدخل الجنة فذلك قوله : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن هشام الدّستوائي ، قال : حدثنا حماد ، قال : سألت إبراهيم عن هذه الاَية : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قال : حُدّثت أن المشركين قالوا لمن دخل النار من المسلمين : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون ؟ قال : فيغضب الله لهم ، فيقول للملائكة والنبيين : اشفعوا فيشفعون ، فيخرجون من النار ، حتى إن إبليس ليتطاول رجاء أن يخرج معهم . قال : فعند ذلك يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن إبراهيم ، أنه قال في قول الله عزّ وجلّ : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قال : يقول من في النار من المشركين للمسلمين : ما أغنت عنكم «لا إله إلا الله » ؟ قال : فيغضب الله لهم ، فيقول : من كان مسلما فليخرج من النار قال : فعند ذلك : يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن حماد ، عن إبراهيم في قوله : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قال : إن أهل النار يقولون : كنا أهل شرك وكفر ، فما شأن هؤلاء الموحدين ما أغنى عنهم عبادتهم إياه ؟ قال : فيخرج من النار من كان فيها من المسلمين . قال : فعند ذلك يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ .
حدثنا الحسن بن يحيى ، أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قال : يقول أهل النار للموحدين : ما أغنى عنكم إيمانكم ؟ قال : فإذا قالوا ذلك ، قال : أَخْرِجُوا من كان في قلبه مثقال ذرّة فعند ذلك يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا مسلم ، قال : حدثنا هشام ، عن حماد ، قال : سألت إبراهيم عن قول الله عزّ وجلّ : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قال : الكفار يعيّرون أهل التوحيد : ما أغنى عنكم لا إله إلا الله ؟ فيغضب الله لهم ، فيأمر النبيين والملائكة فيشفعون ، فيخرج أهل التوحيد ، حتى إن إبليس ليتطاول رجاء أن يخرج ، فذلك قوله : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ .
حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عبد السلام ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قال : هذا في الجهنميين ، إذا رأوهم يخرجون من النار يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن مجاهد ، قال : إذا فرغ الله من القضاء بين خلقه ، قال : من كان مسلما فليدخل الجنة فعند ذلك يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء وحدثني الحسن ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قال : يوم القيامة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قال : فيها وجهان اثنان ، يقولون : إذا حضر الكافر الموت ودّ لو كان مسلما . ويقول آخرون : بل يعذّب الله ناسا من أهل التوحيد في النار بذنوبهم ، فيعرفهم المشركون فيقولون : ما أغنت عنكم عبادة ربكم وقد ألقاكم في النار ؟ فيغضب لهم فيخرجهم ، فيقول : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، في قوله : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ قال : نزلت في الذين يخرجون من النار .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ وذلك والله يوم القيامة ، ودّوا لو كانوا في الدنيا مسلمين .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : ما يزال الله يدخل الجنة ويشفع حتى يقول : من كان من المسلمين فليدخل الجنة فذلك حين يقول : رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ .
{ ربما يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين } حين عاينوا حال المسلمين عند نزول النصر أو حلول الموت أو يوم القيامة . وقرأ نافع وعاصم { ربما } بالتخفيف ، وقرئ { ربما } بالفتح والتخفيف وفيه ثمان لغات ضم الراء وفتحها مع التشديد والتخفيف وبتاء التأنيث ودونها ، وما كافة تكفه عن الجر فيجوز دخوله على الفعل وحقه أن يدخل على الماضي لكن لما كان المترقب في أخبار الله تعالى كالماضي في تحققه أجري مجراه . وقيل : ما نكرة موصوفة كقوله :
ربما تكرهُ النفوس من الأم *** ر له فُرجةٌ كحلّ العِقالِ
ومعنى التقليل فيه الإيذان بأنهم لو كانوا يودون الإسلام مرة فبالحري أن يسارعوا إليه ، فكيف وهم يودونه كل ساعة . وقيل تدهشهم أهوال القيامة فإن حانت منهم إفاقة في بعض الأوقات تمنوا ذلك ، والغيبة في حكاية ودادتهم كالغيبة في قولك : حلف بالله ليفعلن .
وقرأ نافع وعاصم «ربَما » بتخفيف الباء . وقرأ الباقون بشدها ، إلا أن أبا عمرو قرأها على الوجهين ، وهما لغتان{[7124]} ، وروي عن عاصم «رُبُما » بضم الراء والباء مخففة ، وقرأ طلحة بن مصرف «ربتما » بزيادة تاء ، وهي لغة . و { ربما } للتقليل وقد تجيء شاذة للتكثير ، وقال قوم : إن هذه من ذلك ، ومنه :
رب كأس هرقت يا ابن لؤي . . . .
وأنكر الزجاج أن تجيء «رب » للتكثير{[7125]} . و «ما » التي تدخل عليها «رب » قد تكون اسماً نكرة بمنزلة شيء ، وذلك إذا كان في الضمير عائد عليه ، كقول الشاعر : [ الخفيف ]
ربما تكره النفوس من الأم . . . ر له فرجة كحل العقال{[7126]}
التقدير : رب شيء ، وقد تكون حرفاً كافاً لرب وموطئاً لها لتدخل على الفعل إذ ليس من شأنها أن تدخل إلا على الأسماء ، وذلك إذا لم يكن ثم ضمير عائد كقول الشاعر : [ جذيمة الأبرش ] [ المديد ]
ربما أوفيت في علم . . . ترفعن ثوبي شمالات{[7127]}
قال القاضي أبو محمد : وكذلك دخلت «ما » على «من » كافة ، في نحو قوله :«وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مما يحرك شفتيه »{[7128]} . ونحو قول الشاعر : [ الطويل ]
وإنا لمما نضرب الكبش ضربة . . . على رأسه تلقي اللسان من الفم{[7129]}
قال الكسائي والفراء : الباب في «ربما » أن تدخل على الفعل الماضي ، ودخلت هنا على المستقبل إذ هذه الأفعال المستقبلة من كلام الله تعالى لما كانت صادقة حاصلة ولا بد جرت مجرى الماضي الواقع .
قال القاضي أبو محمد : وقد تدخل رب على الماضي الذي يراد به الاستقبال ، وتدخل على العكس . والظاهر في { ربما } في هذه الآية أن «ما » حرف كاف - هكذا قال أبو علي ، قال : ويحتمل أن تكون اسماً ، ويكون في { يود } ضمير عائد عليه ، التقدير : رب ود أو شيء يوده { الذين كفروا لو كانوا مسلمين } .
قال القاضي أبو محمد : ويكون { لو كانوا مسلمين } بدلاً من «ما » .
وقالت فرقة : تقدير الآية : ربما كان يود الذين كفروا . قال أبو علي : وهذا لا يجيزه سيبويه ، لأن كان لا تضمر عنده .
واختلف المتأولون في الوقت الذي يود فيه الكفار أن لو كانوا مسلمين ، فقالت فرقة : هو عند معاينة الموت في الدنيا - حكى ذلك الضحاك - وفيه نظر ، لأنه لا يقين للكافر حينئذ بحسن حال المسلمين ، وقالت فرقة : هو عند معاينة أهوال يوم القيامة - قاله مجاهد - وهذا بين ، لأن حسن حال المسلمين ظاهر ، فتود ، وقال ابن عباس وأنس بن مالك : هو عند دخولهم النار ومعرفتهم بدخول المؤمنين الجنة ، واحتج لهذا القول بحديث روي في هذا من طريق أبي موسى الأشعري وهو : أن الله إذا أدخل عصاة المسلمين النار نظر إليهم الكفار فقالوا : ليس هؤلاء من المسلمين فماذا أغنت عنهم لا إله إلا الله ؟ قال : فيغضب الله تعالى لقولهم ، فيقول : أخرجوا من النار كل مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«فحينئذ يود الذين كفروا أن لو كانوا مسلمين »{[7130]} .
قال القاضي أبو محمد : ومن العبر في هذه الآية حديث الوابصي الذي في صدر ذيل الأمالي ، ومقتضاه أنه ارتد ونسي القرآن إلا هذه الآية .
استئناف ابتدائي وهو مفتتح الغرض وما قبله كالتنبيه والإنذار .
و { ربما } مركبة من ( رب ) . وهو حرف يدل على تنكير مدخوله ويجر ويختص بالأسماء . وهو بتخفيف الباء وتشديدها في جميع الأحوال . وفيها عدة لغات .
وقرأ نافع وعاصم وأبو جعفر بتخفيف الباء . وقرأ الباقون بتشديدها .
واقترنت بها ( ما ) الكافة ل ( ربّ ) عن العمل . ودخول ( ما ) بعد ( رب ) يكُف عملها غالباً . وبذلك يصح دخولها على الأفعال . فإذا دخلت على الفعل فالغالب أن يراد بها التقليل .
والأكثر أن يكون فعلاً ماضياً ، وقد يكون مضارعاً للدلالة على الاستقبال كما هنا . ولا حاجة إلى تأويله بالماضي في التحقق .
ومن النحويين من أوجب دخولها على الماضي ، وتأول نحو الآية بأنه منزّل منزلة الماضي لتحققه . ومعنى الاستقبال هنا واضح لأن الكفار لم يَودّوا أن يكونوا مسلمين قبل ظهور قوة الإسلام من وقت الهجرة .
والكلام خبر مستعمل في التهديد والتهويل في عدم اتباعهم دين الإسلام . والمعنى : قد يود الذين كفروا لو كانوا أسلموا .
والتقليل هنا مستعمل في التهكم والتخويف ، أي احذروا وَدادتكم أن تكونوا مسلمين ، فلعلها أن تقع نادراً كما يقول العرب في التوبيخ : لعلك ستندم على فعلك ، وهم لا يشكون في تندمه ، وإنما يريدون أنه لو كان الندم مشكوكاً فيه لكان حقاً عليك أن تفعل ما قد تندم على التفريط فيه لكي لا تندم ، لأن العاقل يتحرز من الضُر المظنون كما يتحرز من المتيقن .
والمعنى أنهم قد يودّون أن يكونوا أسلموا ولكن بعد الفوات .
والإتيان بفعل الكون الماضي للدلالة على أنهم يودون الإسلام بعد مضي وقت التمكن من إيقاعه ، وذلك عندما يقتلون بأيدي المسلمين ، وعند حضور يوم الجزاء ، وقد ودّ المشركون ذلك غير مرة في الحياة الدنيا حين شاهدوا نصر المسلمين .
وعن ابن مسعود : ودّ كفارُ قريش ذلك يوم بدر حين رأوا نصر المسلمين . ويتمنّون ذلك في الآخرة حين يساقون إلى النار لكفرهم ، قال تعالى : { ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرسول سبيلا } [ سورة الفرقان : 27 ] . وكذلك إذا أخرج عصاة المسلمين من النار ودّ الذين كفروا في النار لو كانوا مسلمين ، على أنهم قد ودُّوا ذلك غير مرة وكتموه في نفوسهم عناداً وكفراً . قال تعالى : { ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل } [ سورة الأنعام : 27 ، 28 ] ، أي فلا يصرحون به .
ولو } في { لو كانوا مسلمين } مستعملة في التمني لأن أصلها الشرطية إذ هي حرف امتناع لامتناع ، فهي مناسبة لمعنى التمني الذي هو طلب الأمر الممتنع الحصول ، فإذا وقعت بعد ما يدل على التمني استعملت في ذلك كأنها على تقدير قول محذوف يقوله المتمني ، ولما حذف فعل القول عدل في حكاية المقول إلى حكايته بالمعنى . فأصل { لو كانوا مسلمين } لو كُنّا مسلمين .
والتزم حذف جواب { لو } اكتفاء بدلالة المقام عليه ثم شاع حذف القول ، فأفادت { لو } معنى المصدرية فصار المعنى : يودّ الذين كفروا كونهم مسلمين ، ولذلك عَدُّوها من حروف المصدرية وإنما المصدر معنى عارض في الكلام وليس مدلولها بالوضع .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ربما يود الذين كفروا} من أهل مكة في الآخرة،
{لو كانوا مسلمين} يعني مخلصين في الدنيا بالتوحيد...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
... ربما يودّ الذين كفروا بالله فجحدوا وحدانيته لو كانوا في دار الدنيا مسلمين.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال عامة أهل التأويل: إنما يودون الإسلام والتوحيد بعد ما عذب بالنار قوم من أهل التوحيد بذنوبهم، ثم أخرجوا منها بالشفاعة أو بالرحمة. فعند ذلك يتمنى أهل الشرك، ويَودون الإسلام والتوحيد {لو كانوا مسلمين} لكن هذا بعيد؛ إذ لا يتمنون إلا [وهم] في النار، بعدما أخرج أولئك، وقد أصيبوا بالشدائد والبلايا من قبل أن يأتوا النار. قال الله تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون} {لعلي أعمل صالحا} الآية (المؤمنون: 99 و100) أخبر أنه يتمنى عند حلول الموت الإسلام حين طلب الرجوع إلى الدنيا. دل أنهم يودون الإسلام قبل الوقت الذي ذكر، أو يتمنون الإسلام إذا حوسبوا، أو إذا بُعث أهل الجنة، وبعثوا هُم إلى النار ويتمنون الإسلام قبل ذلك، في مواضع. وربما يتمنى الآحاد من الكفرة، ويودون لو كانوا مسلمين في أحوال وأوقات، يظهر لهم الحق، لكن الذي يمنعهم عن الإسلام فوت شيء من الدنيا وذهاب شيء طمعوا فيه...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
والوُدّ هو التمني...فإن قال قائل: إذا كانت ربما للتقليل، فكيف يقلُّ تمنيهم هذا، ونحن نعلم حقيقة أن كلهم يتمنون هذا، وأن هذا التمني منهم يكثر؟ والجواب: أن العرب قد تذكر هذا اللفظ وتريد به التكثير، يقول القائل لغيره: ربما تندم على هذا الفعل، وهو يعلم أنه يكثر منه الندم عليه، ويكون المعنى: إنك لو ندمت قليلا لكان القليل من الندامة يكفيك للاجتناب عنه، فكيف الكثير؟!. والجواب الثاني: أن شغلهم بالعذاب لا يفرغهم للندامة، وفي بعض الأحايين ربما يقع لهم هذا الندم، ويخطر ببالهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما وصف سبحانه هذا القرآن بما وصفه من العظمة والإبانة لجميع المقاصد التي منها سؤال الكفرة عند رؤية العذاب التأخير للطاعة في قوله تعالى {وانذر الناس يوم يأتيهم العذاب} كان كأنه قيل: ما له لم يبين للكفرة سوء عاقبتهم بياناً يردهم؟ فقال سبحانه باسطاً لقوله {ولينذروا به} {ربما يود} أشار تعالى بكونه مضارعاً إلى أن ودهم لذلك يكون كثيراً جداً متكرراً، وإيلاءه لربما -وإنما يليها في الأغلب الماضي- معلم بأنه مقطوع به كما يقطع بالماضي الذي تحقق ووقع {الذين كفروا} أي ولو وقتاً ما والود: التمني وهو تقدير المعنى في النفس للاستمتاع، وإظهار ميل الطباع له إليه، وفيه اشتراك بين التمني والحب -قاله الرماني، وهو هنا للتمني فإنه بين مودودهم بقوله: {لو كانوا} أي كوناً جبلياً {مسلمين} أي عريقين في وصف الإسلام من أول أمرهم إلى آخره؛ قال الرماني: والإسلام: إعطاء الشيء على حال سلامة كإسلام الثوب إلى من يقصره، وإسلام الصبي إلى من يعلمه، فالإسلام الذي هو الإيمان- إعطاء معنى الحق في الدين بالإقرار والعمل به -انتهى.
وقد كان ما أخبر الله به فقد ندم كل من أسلم من الصحابة على تأخير إسلامه لما علموا فضل الإسلام ورأوا فضائل السابقين- كما هو مذكور في السير وفتوح البلدان وسيكون ما شاء الله من ذلك في القيامة وما قبلها، فالمعنى أنكم إن كذبتم في القطع -في نحو قوله {فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا} [إبراهيم:44]، الآية- بأنكم ترجعون عن هذا الشمم وتتبرؤون من هذه السجايا والهمم فتسألون الله تعالى في الطاعة، وقد فات الفوت بحلول حادث الموت إلى غيره، فلا أقل من أن يكون عندكم شك في الأمور التي يجوز كونها، ولا ينبغي حينئذ للعاقل ترك الاهتمام بالاستعداد على تقدير هذا الاحتمال...
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
وأخرج الطبراني. وابن مردويه. بسند صحيح عن جابر بن عبد الله قال: {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ناساً من أمتي يعذبون بذنوبهم فيكونون في النار ما شاء الله تعالى أن يكونوا ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون: ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم فلا يبقى موحد إلا أخرجه الله تعالى من الناس ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية}.وعن ابن مسعود أن الآية في كفار قريش ودوا ذلك يوم بدر حين رأوا الغلبة للمسلمين، وفي رواية عنه وعن أناس من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن ذلك حين ضربت أعناقهم فعرضوا على النار. وذكر ابن الأنباري أن هذه الودادة من الكفار عند كل حالة يعذب فيها الكافر ويسلم المسلم...
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
تبشير للنبي صلى الله عليه وسلم بظهور دينه، وأنه سوف يأتي أيام يتمنى الكافرون بها، أن لو سبق لهم الإسلام فكانوا من السابقين. لما يرون من إعلاء كلمة الدين وظهوره على رغم الملحدين، لأن من تأخر إسلامه منهم، وإن ناله من الفضل ما وعد به الحسنى، ولكن لا يلحق السابقين {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة} وفيه تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم على الصدع بالدعوة والصبر عليها، لما أن العاقبة له...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استئناف ابتدائي وهو مفتتح الغرض وما قبله كالتنبيه والإنذار...
والكلام خبر مستعمل في التهديد والتهويل في عدم اتباعهم دين الإسلام. والمعنى: قد يود الذين كفروا لو كانوا أسلموا.
والتقليل هنا مستعمل في التهكم والتخويف، أي احذروا وَدادتكم أن تكونوا مسلمين...
والمعنى أنهم قد يودّون أن يكونوا أسلموا ولكن بعد الفوات.
والإتيان بفعل الكون الماضي للدلالة على أنهم يودون الإسلام بعد مضي وقت التمكن من إيقاعه، وذلك عندما يقتلون بأيدي المسلمين، وعند حضور يوم الجزاء، وقد ودّ المشركون ذلك غير مرة في الحياة الدنيا حين شاهدوا نصر المسلمين...