فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ كَانُواْ مُسۡلِمِينَ} (2)

{ رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ } قرأ نافع وعاصم بتخفيف الباء من { ربما } . وقرأ الباقون بتشديدها ، وهما لغتان . قال أبو حاتم : أهل الحجاز يخففون ، ومنه قول الشاعر :

ربما ضربة بسيف صقيل *** بين بصرى وطعنة نجلاء

وتميم وربيعة يثقلونها . وقد تزاد التاء الفوقية ، وأصلها أن تستعمل في القليل . وقد تستعمل في الكثير . قال الكوفيون : أي يودّ الكفار في أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين . ومنه قول الشاعر :

رب رفد هرقته ذلك اليو *** م وأسرى من معشر أقيال

وقيل : هي هنا للتقليل ؛ لأنهم ودّوا ذلك في بعض المواضع لا في كلها لشغلهم بالعذاب . قيل : و «ما » هنا لحقت ربّ لتهيئها للدخول على الفعل . وقيل : هي نكرة بمعنى شيء ، وإنما دخلت «ربّ » هنا على المستقبل مع كونها لا تدخل إلاّ على الماضي ؛ لأن المترقب في أخباره سبحانه كالواقع المتحقق ، فكأنه قيل : ربما ودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين ، أي : منقادين لحكمه مذعنين له من جملة أهله . وكانت هذه الودادة منهم عند موتهم أو يوم القيامة . والمراد : أنه لما انكشف لهم الأمر ، واتضح بطلان ما كانوا عليه من الكفر وأن الدين عند الله سبحانه هو الإسلام لا دين غيره ، حصلت منهم هذه الودادة التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، بل هي لمجرد التحسر والتندم ولوم النفس على ما فرّطت في جنب الله . وقيل : كانت هذه الودادة منهم عند معاينة حالهم وحال المسلمين . وقيل : عند خروج عصاة الموحدين من النار ، والظاهر أن هذه الودادة كائنة منهم في كل وقت مستمرة في كل لحظة بعد انكشاف الأمر لهم .

/خ15