بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ كَانُواْ مُسۡلِمِينَ} (2)

{ رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } قرأ نافع وعاصم { رُّبَمَا } بالتخفيف . وقرأ الباقون بالتشديد قال عاصم : قرأت عند زر بن حبيش { رُّبَمَا } بالتشديد . فقال : إنك لتحب الرَّب . وقال : هي رُبمَا مخففة . ولكن معناها واحد . فالتخفيف لغة بعض العرب . واللغة الظاهرة بالتشديد ، أي : ربما يأتي على الكافر يوم يتمنى أنه كان أسلم . ويقال : أقسم الله تعالى بالألف ، واللام ، والراء ، إن هذا القرآن حق ، وهو بيّن لكم الحق من الباطل . وأقسم أنه رُبَّ يومٍ يأتي على الكافر ، يتمنى فيه أن لو كان مؤمناً في الدنيا ، يقول الكافر : يا ليتني كنت مؤمناً في الدنيا . أي : يعني : يقول يوم القيامة : يا ليت كنت . وذلك أن الكافر كلما رأى حالاً من أحوال العذاب ، ورأى حالاً من أحوال المسلمين ، وَدَّ أن لو كان مسلماً . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : يخرج من النار حين يقال : أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان . فيتمنى الكافر أن لو كان مؤمناً ، فذلك قوله { رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ } .

وروي عن حماد بن أبي سلمة أنه قال : سألت إبراهيم النخعي عن هذه الآية . قال : نزلت في الكفار ، يعيرون أهل التوحيد ، ويقولون : ما أغنى عنكم إيمانكم ، وأنتم معنا ، فيغضب الله لهم ، فيأمر الله النبيين والملائكة ، فيشفعون ، فيخرج أهل التوحيد من النار . حتى إن إبليس يتطاول رجاء أن يخرج ، ويتمنى الكافر أن لو كان مسلماً في الدنيا . حدّثنا الخليل بن أحمد قال : حدّثنا صالح بن أحمد قال : حدّثنا محمد بن شوكر قال : حدّثنا القاسم قال : حدّثنا أبو حنيفة ، عن يزيد بن صهيب ، عن جابر بن عبد الله قال : سألته عن الشفاعة فقال : يعذب الله قوماً من أهل الإيمان ، ثم يخرجهم منها بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم . قلت له : فأين قوله : { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النار وَمَا هُم بخارجين مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } [ المائدة : 37 ] منها قال : اقرأ ما قبلها { إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ } [ عافر : 10 ] الآية . يعني : إن تلك الآية نزلت في الكفار . وقال مجاهد : إذا أخرج من النار ، من قال : لا إله إلا الله ، فعند ذلك يقولون : يا ليتنا كنا مسلمين ، وعن أبي العالية مثله .