الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ كَانُواْ مُسۡلِمِينَ} (2)

ثم قال تعالى : { ربما يود الذين كفروا } [ 2 ] .

أصل " رب " أن تدخل على النكرات ، وأن تكون في صدر الكلام لمضارعتها " كم " . لأنها للتقليل كما أن " كم " للتكثير ولمضارعتها " لا " لأنها للتقليل ، والتقليل أقرب شيء من النفي{[37675]} . ومن أجل كونها للتقليل{[37676]} لزمتها النكرة{[37677]} .

وموضع " رب " وما عملت فيه ، نصب [ يتعدى ]{[37678]} الفعل الذي بعدها ، كما تقول : مررت بزيد : فزيد في موضع نصب . ولذلك لم يؤت لها بخبر ، كما يأتي لكم .

والفعل : الذي يتعلق به محذوف – وربما ظهر– وكل حرف جر فإنما يتعلق بما/ قبله إلا رب فإنها [ ت{[37679]} ] تعلق بما بعدها لأن لها صدر الكلام .

وإذا دخلت عليها " ما " كفتها عن العمل ووقعت الأفعال الماضية بعدها ، تقول : ربما قام زيد ، وربما جلس{[37680]} عمرو{[37681]} . فإن وقعت الأسماء بعدها ، جاز عملها ، ولغوها تقول : ربما رجل رأيت . ويلزم النكرة التي تدخل " رب " عليها النعت .

فإن وقع بعدها مستقبل فعلى إضمار " كان " تقول : ربما يقوم زيد . تقديره ربما : كان يقوم زيد{[37682]} .

فأما قوله تعالى : { ربما يود الذين كفروا } [ 2 ] وإنما جاز وقوع المستقبل بعدها في هذه{[37683]}[ الآية{[37684]} ] . لأنه أمر واقع لا محالة ، فصار بمنزلة الماضي الذي [ قد{[37685]} ] كان [ ووقع{[37686]} ]{[37687]} فإن قلت " رب رجل سيقوم " أو " ليقومن " لم يجز إلا أن تريد{[37688]} أنه يوصف بذلك .

وإذا اتصل{[37689]} بربما مجهول{[37690]} انتصب ما بعدها على التفسير . ولا يثنى ذلك المجهول ولا يجمع ولا يؤنث عند البصريين . وأجاز ذلك الكوفيون .

والمضمر الذي يتصل برب في تأويل نكرة ولفظه لفظ معرفة . وإنما كان نكرة لأنك لم تقصد به إلى مذكور بعينه تقدم ذكره ، وإنما أظهر على شرطة التفسير بعده .

ولا موضع " لما " {[37691]} في ربما لأنها زائدة . وأجاز{[37692]} الأخفش{[37693]} أن تكون " ما " نكرة في موضع خفض " برب " كأنه قال : ورب شيء ، أو : رب : ود{[37694]} .

ومعنى الآية : ربما تمنى الذين كفروا لو كانوا في الدنيا مسلمين . وذلك في قول : ابن عباس ، وأنس{[37695]} ، حين يرى المشركون المسلمين من أهل الخطايا يخرجون من النار بإيمانهم ، فيود عند ذلك المشركون لو كانوا مسلمين فيخرجون كما خرج هؤلاء المسلمون{[37696]} . وذكر ابن عباس : أنه إذا اجتمع المشركون وأهل الذنوب من المسلمين في النار قال المشركون للمسلمين : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون ، قد اجتمعنا{[37697]}وإياكم . فيغضب الله عز وجل للمسلمين فيخرجهم بفضل رحمته فيقول المشركون عند ذلك ليتنا كنا مسلمين{[37698]} .

وفي حديث ابن وهب : " . . . فيغضب الله لهم فيقول للملائكة والنبيين : اشفعوا ، قال : فيشفعون لهم . فيخرجون حتى إن إبليس ليتطاول رجاء أن يخرج معهم{[37699]} " .

وقال مجاهد عن ابن عباس : يدخل الله المؤمنين الجنة حتى يقول في آخر ذلك : من كان مسلما فليدخل الجنة . فعند ذلك يتمنى المشركون لو كانوا مسلمين{[37700]} .

وقيل : إن ذلك يكون من الكافر إذا عاين القيامة{[37701]} .

وقيل : يكون منه ذلك التمني إذا عاين الموت{[37702]} .


[37675]:"ط": المعنى.
[37676]:في مغني اللبيب 180 "وليس معناها التقليل دائما" واستدل بالآية.
[37677]:انظر: معاني الزجاج 3/173، والصاحبي 228 والمحرر 10/107، ومغني اللبيب 181.
[37678]:"ق": يتعدر.
[37679]:ساقط من "ق".
[37680]:"ط": خرج.
[37681]:انظر: معاني الأخفش 2/602، ومعاني الزجاج 3/173 والجامع 10/3 والبيان 63 وشرح ابن عقيل: 2/2/32 ومغني اللبيب 182.
[37682]:انظر: المحرر 10/109 وزاد: "وقال أبو علي وهذا لا يجيزه سيبويه".
[37683]:"ط": هذا.
[37684]:ساقط من "ط".
[37685]:انظر: المصدر السابق.
[37686]:ساقط من "ق".
[37687]:وهو قول الكسائي والفراء. انظر: معاني الفراء 2/82 والمحرر 10/108، وإملاء ما من به الرحمن 2/72، والجامع 10/3، ومغني اللبيب 408 نسبه للرماني، والبيان 63.
[37688]:"ق": تريه.
[37689]:"ق": التصل.
[37690]:"ط": مجهوله.
[37691]:"ق": لها.
[37692]:"ق": وزاد.
[37693]:"ق": الأخفش. وهو سعيد بن مسعدة الجاشعي بالولاء، البلخي ثم المصري، أبو الحسن المعروف بالأخفش الأوسط: نحوي عالم باللغة والأدب، توفي سنة 215 هـ. انظر: ترجمته في: وفيات الأعيان 2/1380 وبغية الوعاة 1/590 والأعلام 3/102.
[37694]:انظر: معاني الأخفش 2/602 وإعراب النحاس 2/376.
[37695]:هو أنس بن مالك بن النضر الأنصاري، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى عنه وعن الخلفاء الأربعة، وروى عنه قتادة والزهري وابن سيرين توفي 90 هـ. انظر: ترجمته في طبقات ابن الخياط 91 وطبقات ابن سعد 7/17، وتذكرة الحفاظ 1/44.
[37696]:"ق": المسلمين.
[37697]:"ط": جمعنا.
[37698]:انظر: قوله في جامع البيان 14/2 -3 ومعاني الزجاج 3/172، ولم ينسبه والجامع 10/3 رواية عن الحسن، والدر 5/62.
[37699]:وهو قول: إبراهيم أيضا. انظر جامع البيان 14/3-4 والدر 5/65.
[37700]:انظر: قوله في جامع البيان 14/3 – 5.
[37701]:وهو قول ابن عباس وقتادة ومجاهد، انظر جامع البيان 14/ 3- 5 ومعاني الزجاج 3/172 ولم ينسبه، والدر المنثور 5/62.
[37702]:انظر: هذا القول في معاني الزجاج 3/172 ولم ينسبه.