تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ} (169)

يخبر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قتلوا في هذه الدار فإن أرواحَهم حية مرزوقة في دار القرار .

قال ابن جرير : حدثنا محمد بن مرزوق ، حدثنا عُمَر بن يونس ، عن عِكْرِمة ، حدثنا ابن إسحاق بن أبي طلحة ، حدثني أنس بن مالك في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين{[6119]} أرسلهم نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل بئر معونة قال : لا أدري أربعين أو سبعين . وعلى ذلك الماء عامر بن الطُّفَيل الجعفري ، فخرج أولئك النَّفَر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أتَوْا{[6120]} غارا مُشْرِفا على الماء فقعدوا{[6121]} فيه ، ثم قال بعضهم لبعض : أيكم يُبَلِّغ رسَالَة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهْلَ هذا الماء ؟ فقال - أرَاه ابن ملْحان الأنصاري - : أنا أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فخَرَج حتى أتى حيا{[6122]} [ منهم ] {[6123]} فاختبأ أمام البيوت ، ثم قال : يا أهل بئر مَعُونة ، إني رسولُ رسول الله إليكم ، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، فآمنوا بالله ورسوله . فخرج إليه رَجُل من كسر البيت برُمْح فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر . فقال : الله أكبر ، فُزْتُ ورب الكعبة . فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه في الغار فقتلهم أجمعين عامرُ بن الطفيل . وقال إسحاق : حدثني أنس بن مالك : أن الله [ تعالى ]{[6124]} أنزل فيهم قرآنا : بَلِّغُوا عنا قَوْمَنا أنَّا قد لقينا رَبَّنا فَرَضي عَنَّا ورَضينا عَنْه ثم نسخت فرفعت بعد ما قرأناه زَمَنًا{[6125]} وأنزل الله : { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }{[6126]} .

وقد قال الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري في صحيحه : حدثنا محمد بن عبد الله بن نُمَير ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمَشُ ، عن عبد الله بن مُرَّةَ ، عن مسروق قال : سألنا عبد الله عن هذه الآية : { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } فقال : أما إنَّا قد سألنا عن ذلك فقال : " أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ{[6127]} حَيْثُ شَاءَتْ ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ اطِّلاعَةً فَقَالَ : هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا ؟ فَقَالُوا : أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا ؟ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ{[6128]} يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا : يَا رَبِّ ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى ، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا " {[6129]} . وقد روي نحوه عن أنس وأبي سعيد .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حَمَّاد ، حدثنا ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ ، لَهَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ ، يَسُرُّهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا إِلا الشَّهِيدُ فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ " .

انفرد{[6130]} به مسلم من طريق حماد{[6131]} {[6132]} .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عبد الله المديني ، حدثنا سفيان ، عَن{[6133]} محمد بن علي بن رَبيعة السلمي ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر قال : قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " أما عَلِمْتَ{[6134]} أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاكَ فَقَالَ لَهُ : تَمَنَّ عَلَيَّ ، فَقَالَ لَهُ : أُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا ، فَأُقْتَلُ مَرَّةً أُخْرَى ، فَقَالَ : إِنِّي قَضَيْتُ الْحُكْمَ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ " .

انفرد{[6135]} به أحمد من هذا الوجه{[6136]} وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن أبا جابر - وهو عبد الله بن عَمْرو بن حَرام الأنصاري رضي الله عنه - قتل يوم أحد شهيدا . قال البخاري : وقال أبو الوليد ، عن شعبة عن ابن المُنْكَدِر قال : سمعت جابرا قال : لما قُتِل أبي جعلتُ أبكي وأكشفُ الثوب عن وجهه ، فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينْهَوني{[6137]} والنبي صلى الله عليه وسلم لم يَنْه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تَبْكِهِ {[6138]} - أو : مَا تَبْكِيهِ{[6139]} - ما زَالَتِ الْملائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأجْنِحَتِها حَتَّى رُفِعَ " . وقد أسنده هو ومسلم والنسائي من طريق آخر{[6140]} عن شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال : لما قتلَ أبي يوم أحد ، جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي . . . وذكر تمامه بنحوه{[6141]} .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثنا إسماعيل بن أمية بن عَمْرو بن سعيد ، عن أبي الزبير المكي ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَمَّا أُصِيبَ{[6142]} إخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ ، وتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ ، وَمَأْكَلِهِمْ ، وَحُسْنَ مُنْقَلَبِهِم{[6143]} قَالُوا : يَا لَيْتَ إِخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ اللَّهُ لَنَا ، لِئَلا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ ، وَلا يَنْكُلُوا عَنْ الْحَرْبِ " فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ . فَأَنزلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلاءِ الآيَاتِ : { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } وما بعدها " .

هكذا رواه [ الإمام ]{[6144]} أحمد ، وكذا رواه ابن جرير عن يونس ، عن ابن وَهْب ، عن إسماعيل بن عَيَّاش{[6145]} عن محمد بن إسحاق به{[6146]} ورواه أبو داود والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق ، عن إسماعيل بن أمية ، عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس فذكره ، وهذا أثبت{[6147]} . وكذا رواه سفيان الثوري ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس .

وروى الحاكم في مستدركه من حديث أبي إسحاق الفزاري ، عن سفيان{[6148]} عن إسماعيل{[6149]} بن أبي خالد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في حمزة وأصحابه : { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه{[6150]} .

وكذا قال قتادة ، والربيع ، والضحاك : إنها نزلت في قتلى أحد .

حديث آخر : قال أبو بكر بن مَرْدُويَه : حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا هارون بن سليمان{[6151]} أنبأنا علي بن عبد الله المديني ، أنبأنا موسى بن إبراهيم بن كثير بن بشير بن الفاكه الأنصاري ، سمعت طلحة بن خِرَاش بن عبد الرحمن بن خراش بن الصمة الأنصاري ، قال : سمعت جابر بن عبد الله قال : نظر إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : " يا جابر ، مَا لِي أراك مُهْتَما ؟ " قال : قلت : يا رسول الله ، استشهد أبي وترك{[6152]} دَينا وعيالا . قال : فقال : " ألا أُخْبِرُكَ ؟ مَا كَلَّمَ اللهُ أَحَدًا قَطُّ إلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، وَإنَّهُ كَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا - قال علي : الكفَاح : المواجهة - فَقَالَ : سَلْني أعْطكَ . قَالَ : أَسْأَلُكَ أنْ أُرَدَّ إلَى الدُّنْيَا فَأُقْتَلَ فِيْكَ ثَانِيَةً فَقَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : إنَّهُ سَبَقَ مِنِّي القول أنَّهُمْ إلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ . قَالَ : أيْ رَبِّ : فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي . فَأَنزلَ اللهُ [ عَزَّ وجَلَّ ]{[6153]} { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا } الآية{[6154]} .

ثم رواه من طريق أخرى عن محمد بن سليمان بن سبيط الأنصاري ، عن أبيه ، عن جابر ، به نحوه . وكذا رواه البيهقي في " دلائل النبوة " من طريق علي بن المديني ، به{[6155]} .

وقد رواه البيهقي أيضا من حديث أبي عبادة الأنصاري ، وهو عيسى بن عبد الرحمن ، إن شاء الله ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة [ رضي الله عنها ]{[6156]} قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر : " يَا جَابِرُ ، ألا أُبَشِّرُكَ ؟ قال : بلى . بشّرك الله بالخير . قال{[6157]} شَعَرْتُ أنَّ اللهَ أحْيَا أَبَاكَ فَقَالَ : تَمَنَّ عَلَيَّ عَبْدِي مَا شِئْتَ أُعْطِكَه . قَالَ : يَا رَبِّ ، مَا عَبَدْتُكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ . أتَمَنَّى عَلَيْكَ أنْ تَرُدَّنِي إلَى الدُّنْيَا فَأُقَاتِلَ{[6158]} مَعَ نَبِيَّكَ ، وأُقْتَلَ فِيْكَ مَرَّةً أُخْرَى . قَالَ : إنَّهُ سَلَفَ مِنِّي أنَّهُ إلَيْهَا [ لا ]{[6159]} يَرْجعُ " {[6160]} .

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثنا الحارث بن فُضَيْل الأنصاري ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ ، فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا " .

تفرد{[6161]} به أحمد ، وقد رواه ابن جرير عن أبي كُرَيْب حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، وعَبَدة{[6162]} عن محمد بن إسحاق ، به . وهو إسناد جيد{[6163]} .

وكان الشهداء أقسام : منهم من تسرح{[6164]} أرواحهم في الجنة ، ومنهم من يكون على هذا النهر بباب الجنة ، وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر فيجتمعون هنالك ، ويغدى عليهم برزقهم هناك ويراح ، والله أعلم .

وقد روينا في مسند الإمام أحمد حديثا فيه البشارة لكل مؤمن بأن روحه تكون في الجنة تسرح أيضا فيها ، وتأكل من ثمارها ، وترى ما فيها من النضرة والسرور ، وتشاهد ما أعده الله لها من الكرامة ، وهو بإسناد صحيح عزيز عظيم ، اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة ؛ فإن الإمام أحمد ، رحمه الله ، رواه عن [ الإمام ]{[6165]} محمد بن إدريس الشافعي ، رحمه الله ، عن مالك بن أنس الأصبحي ، رحمه الله ، عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نَسَمةُ الْمؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلق{[6166]} في شَجِر الجَنَّةِ ، حتى يُرْجِعَهُ اللهُ إلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ " {[6167]} .

قوله : " يعلق " {[6168]} أي : يأكل{[6169]} .

وفي هذا الحديث : " إنَّ روحَ الْمؤْمنِ تَكُونُ عَلَى شَكْلِ طَائِرٍ فِي الْجَنَّةِ " .

وأما أرواح الشهداء ، فكما تقدم في حواصل طير خضر ، فهي كالكواكب{[6170]} بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين فإنها تطير بأنفسها ، فنسأل الله الكريم المنان أن يثبتنا{[6171]} على الإيمان .


[6119]:في أ: "الذي".
[6120]:في ر: "حتى إذا أتوا".
[6121]:في جـ، ر: "قعدوا".
[6122]:في هـ، جـ، ر، أ، و: "حول"، والمثبت من الطبري.
[6123]:زيادة من جـ، ر.
[6124]:زيادة من أ.
[6125]:في أ، و: "زمانا".
[6126]:تفسير الطبري (7/392، 393) ورواه البخاري في صحيحه برقم (2801) من طريق همام عن إسحاق بن أبي طلحة به.
[6127]:في أ: "أهل الجنة".
[6128]:في أ: "لم".
[6129]:صحيح مسلم برقم (1887).
[6130]:في و: "تفرد".
[6131]:في أ: "حماد به".
[6132]:المسند (3/126) وصحيح مسلم برقم (1877) لكن من طريق حميد وقتادة عن أنس به.
[6133]:في جـ، ر، أ، و: "حدثنا".
[6134]:في جـ، ر، أ، و: "أعلمت".
[6135]:في أ، و: "تفرد".
[6136]:المسند (3/361).
[6137]:في و: "ينهونني".
[6138]:في أ، و: "تبكه" وهو الصحيح.
[6139]:في أ، و: "ما يبكيه".
[6140]:في أ، و: "من طرق أخر".
[6141]:صحيح البخاري برقم (4080) وصحيح مسلم برقم (2471) وسنن النسائي (4/13).
[6142]:في أ: "أصيبت".
[6143]:في أ: "مقيلهم".
[6144]:زيادة من أ.
[6145]:في أ: "عباس".
[6146]:المسند (1/265) وتفسير الطبري (7/385).
[6147]:سنن أبي داود برقم (2520) والمستدرك (2/297) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي.
[6148]:في ر: أبي سفيان" وهو خطأ. انظر: المستدرك (2/387).
[6149]:في و: "أبي إسماعيل" وهو خطأ.
[6150]:المستدرك (2/387).
[6151]:في و: "سليم".
[6152]:في أ: "وترك عليه".
[6153]:زيادة من جـ، أ.
[6154]:في أ، و: "حتى أنفذ الآية".
[6155]:دلائل النبوة للبيهقي (3/299).
[6156]:زيادة من ر.
[6157]:في جـ، أ: "قال: قال".
[6158]:في جـ، ر، أ، و: "فأقتل".
[6159]:زيادة من جـ، ر، ودلائل النبوة".
[6160]:دلائل النبوة للبيهقي (3/298).
[6161]:في أ: "انفرد".
[6162]:في جـ، ر: "عبيدة".
[6163]:المسند (1/266) وتفسير الطبري (7/387).
[6164]:في جـ: "يسرح".
[6165]:زيادة من أ.
[6166]:في جـ، ر: "تعلق".
[6167]:المسند (3/455).
[6168]:في جـ، ر: "تعلق"، وفي أ: "يتعلق".
[6169]:في جـ: "تأكل".
[6170]:في جـ، ر: "كالراكب".
[6171]:في و: "يمتنا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ} (169)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مّنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

يعني تعالى ذكره { وَلا تَحْسَبنّ } : ولا تظننّ . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وَلا تَحْسَبنّ } : ولا تظننّ .

وقوله : { الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ } يعني : الذين قُتِلوا بأُحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم { أمواتا } يقول : ولا تحسبنهم يا محمد أمواتا ، لا يحسون شيئا ، ولا يلتذّون ، ولا يتنعمون ، فإنهم أحياء عندي ، متنعمون في رزقي ، فرحون مسرورون بما آتيتهم من كرامتي وفضلي ، وحبوتهم به من جزيل ثوابي وعطائي . كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، وحدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن ابن إسحاق ، عن إسماعيل بن أمية ، عن أبي الزبير المكي ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَمّا أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ ، جَعَلَ اللّهُ أرْوَاحَهُمْ فِي أجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ ، تَرِدُ أنْهارَ الجَنّةِ ، وَتأكُلُ مِنِ ثِمَارِها ، وَتأْوِي إلى قَنادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلّ العَرْشِ¹ فَلَمّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ وَمأْكَلِهِمْ وَحُسْنِ مَقِيِلهِمْ ، قالوا : يا لَيْتَ إخْوَانَنا يَعْلَمونَ ما صَنَعَ اللّهُ بِنا ! لِئَلاّ يَزْهَدُوا فِي الجِهادِ وَلا يَنْكَلوا عَنِ الحَرْبِ ، فَقالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ : أنا أُبَلّغُهمْ عَنْكمْ » فأنزل الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الاَيات .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير بن عبد الحميد ، وحدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قالا جميعا : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق بن الأجدع ، قال : سألنا عبد الله بن مسعود ، عن هذه الاَيات : { وَلا تَحْسَبنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ } . . . الاَية ، قال : أما إنا قد سألنا عنها ، فقيل لنا : «إنّه لما أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بأُحُدٍ ، جَعَلَ الله أرْوَاحَهُمْ في أجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أنْهارَ الجَنّةِ وَتأْكُلُ مِنْ ثمارِهَا وتأوي إلى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ في ظِلّ العَرْشِ ، فيطّلع الله إليهم اطّلاعَةً ، فيقول : يا عبادي ما تَشْتَهُونَ فَأَزِيُدكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : رَبّنا لا فَوْقَ ما أعْطَيْتَنَا الجَنّةَ ، نَأْكُلُ منها حيث شِئْنَا ثلاث مرات ثم يَطّلِعُ فَيَقُولُ : يا عِبَادي ما تَشْتَهُونَ فأزيدكم ؟ فيقولون : رَبّنا لا فَوْقَ ما أعْطَيْتَنَا الجَنّةَ ، نَأْكُلُ منها حَيْثُ شِئْنا ، إلا أنا نَخْتَارُ أن تَرُدّ أرْوَاحَنا في أجْسَادِنا ، ثم تَرُدّنا إلى الدّنْيا ، فنُقَاتل فيك حتى نُقْتَلَ فيك مرّة أخْرَى » .

حدثنا الحسن بن يحيى العبدي ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : سألنا عبد الله ، عن هذه الاَية ، ثم ذكر نحوه ، وزاد فيه : «أنّي قَدْ قَضَيْتُ أنْ لا تُرْجَعُوا » .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن عبد الله بن مرّة ، عن مسروق ، قال : سألنا عبد الله عن أرواح الشهداء ولولا عبد الله ما أخبرنا به أحد قال : أرواح الشهداء عند الله في أجواف طير خضر ، في قناديل تحت العرش ، تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم ترجع إلى قناديلها ، فيطلع إليها ربها ، فيقول : ماذا تريدون ؟ فيقولون : نريد أن نرجع إلى الدنيا فنقتل مرة أخرى .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، وعبدة بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن الحرث بن فضيل ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الشّهَداءُ على باِرقٍ : نَهْرٍ بِبابِ الجَنّةِ في قُبّةٍ خَضْرَاءَ » وقال عبدة : «فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ ، يخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقَهُمْ مِنَ الجَنّةِ بُكْرَةً وَعَشِيّا » .

حدثنا أبو كريب ، وأنبأنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني الحرث بن فضيل ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بمثله ، إلا أنه قال : «في قُبّةٍ خَضْرَاء » وقال : «يَخْرُجُ عَلَيهِم فِيها » .

حدثنا ابن وكيع ، وأنبأنا ابن إدريس ، عن محمد بن إسحاق ، قال : ثني الحرث بن فضيل ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، مثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : قال محمد بن إسحاق : حدثني الحرث بن الفضيل الأنصاريّ عن محمود بن لبيد الأنصاريّ ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الشّهَداءُ على بارِقٍ نَهْرٍ بِبابِ الجَنّةِ في قُبّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُج عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الجَنّةِ بُكْرَةً وَعشِيّا » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني أيضا ، يعني : إسماعيل بن عياش ، عن ابن إسحاق ، عن الحرث بن الفضيل ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بنحوه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : قال محمد بن إسحاق : وحدثني بعض أصحابي ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا أُبَشّرُكَ يا جابِرُ ؟ » قال : قلت : بلى يا رسول الله ! قال : «إنّ أباكَ حَيْثُ أُصيب بأُحُدٍ أحيْاهُ اللّهُ ، ثُمّ قالَ لَهُ : ما تُحِبّ يا عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرٍو أنْ أفْعَلَ بِكَ ؟ قالَ : يا رَبّ أُحِبّ أنْ تَرُدّني إلى الدّنْيا فَأُقاتِلَ فِيكَ فأُقْتَلُ مَرّةً أُخْرَى » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ذكر لنا أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : يا ليتنا نعلم ما فعل إخواننا الذين قُتِلوا يوم أُحد ! فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك القرآن : { وَلا تَحْسَبنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أمْوَاتا بَلْ أحيْاءٌ عِنْدَ ربّهِمْ يُرْزَقُونَ } . كنا نحدّث أن أرواح الشهداء تعارف في طير بيض تأكل من ثمار الجنة ، وأن مساكنهم السدرة .

حُدثت عن عمار ، وأنبأنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بنحوه ، إلا أنه قال : تعارف في طير خضر وبيض وزاد فيه أيضا : وذكر لنا عن بعضهم في قوله : { وَلا تَحْسَبنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أمْواتا بَلْ أحيْاءٌ } قال : هم قتلى بدر وأُحد .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن محمد بن قيس بن مخرمة قال : قالوا : يا ربّ ! ألا رسول لنا يخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم عنا بما أعطيتنا ؟ فقال الله تبارك وتعالى : أنا رسولكم ، فأمر جبريل عليه السلام أن يأتي بهذه الاَية : { وَلا تَحْسَبنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ } . . . الاَيتين .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، قال : سألنا عبد الله عن هذه الاَيات : { وَلا تَحْسَبنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أمْواتا بَلْ أحيْاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُون } قال : أرواح الشهداء عند الله كطير خضر ، لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح في الجنة حيث شاءت ، قال : فاطّلع إليهم ربك أطلاعة فقال : هل تشتهون من شيء فأزيدكموه ؟ قالوا : ربنا ألسنا نسرح في الجنة في أيها شئنا ثم اطّلع عليهم الثالثة ، فقال : هل تستهون من شيء فأزيدكموه ؟ قالوا : تعيد أرواحنا في أجسادنا ، فنقاتل في سبيلك مرّة أخرى ! فسكت عنهم .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله : أنهم قالوا في الثالثة حين قال لهم : هل تشتهون من شيء فأزيدكموه ؟ قالوا : تقرىء نبينا عنا السلام ، وتخبره أن قد رضينا ورُضيَ عنا !

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم يرغّب المؤمنين في ثواب الجنة ويهوّن عليهم القتل : { وَلا تَحْسَبنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أمْواتا بَلْ أحيْاءٌ عِنْدَ ربّهِمْ يُرْزَقُون } : أي قد أحييتهم ، فهم عندي يرزقون في روح الجنة وفضلها ، مسرورين بما آتاهم الله من ثوابه على جهادهم عنه .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، قال : كان المسلمون يسألون ربهم أن يريهم يوما كيوم بدر ، يبلون فيه خيرا ، ويرزقون فيه الشهادة ، ويرزقون فيه الجنة ، والحياة في الرزق . فلقوا المشركين يوم أُحد ، فاتخذ الله منهم شهداء ، وهم الذين ذكرهم الله فقال : { وَلا تَحْسَبنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أمْواتا } . . . الاَية .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : ذكر الشهداء ، فقال : { وَلا تَحْسَبنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أمْواتا بَلْ أحيْاءٌ عِنْدَ ربّهِمْ } إلى قوله : { ولا هُمْ يْحزنُون } . زعم أن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر في قناديل من ذهب معلقة بالعرش ، فهي ترعى بكرة وعشية في الجنة ، تبيت في القناديل ، فإذا سرحن نادى مناد : ماذا تريدون ؟ ماذا تشتهون ؟ فيقولون : ربنا نحن فيما اشتهت أنفسنا ! فيسألهم ربهم أيضا : ماذا تشتهون ؟ وماذا تريدون ؟ فيقولون : نحن فيما اشتهت أنفسنا ! فيسألون الثالثة فيقولون ما قالوا : ولكنا نحبّ أن تردّ أرواحنا في أجسادنا ! لما يرون من فضل الثواب .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا عباد ، قال : حدثنا إبراهيم بن معمر ، عن الحسن ، قال : ما زال ابن آدم يتحمّد حتى صار حيّا ما يموت ثم تلا هذه الاَية : { وَلا تَحْسَبنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أمْواتا بَلْ أحيْاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُون } .

حدثنا محمد بن مرزوق ، قال : حدثنا عمر بن يونس ، قال : حدثنا إسحاق بن أبي طلحة ، قال : ثني أنس بن مالك في أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل بئر معونة ، قال : لا أدري أربعين ، أو سبعين ، قال : وعلى ذلك الماء عامر بن الطفيل الجعفري ، فخرج أولئك النفر من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى أتوا غارا مشرفا على الماء قعدوا فيه ، ثم قال بعضهم لبعض : أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذا الماء ؟ فقال أراه أبو ملحان الأنصاري : أنا أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فخرج حتى أتى حيا منهم ، فاحتبى أمام البيوت ، ثم قال : يا أهل بئر معونة ، إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم ، إني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فآمنوا بالله ورسوله ! فخرج إليه رجل من كِسْر البيت برمح ، فضرب به في جنبه حتى خرج من الشقّ الاَخر ، فقال : الله أكبر ، فزت وربّ الكعبة ! فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه ، فقتلهم أجمعين عامر بن الطفيل . قال : قال إسحاق : حدثني أنس بن مالك : أن الله تعالى أنزل فيهم قرآنا رفع بعد ما قرأناه زمانا ، وأنزل الله : { وَلا تَحْسَبنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أمْواتا بَلْ أحيْاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُون } .

حدثنا يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، قال : لما أصيب الذين أصيبوا يوم أُحد من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، لقوا ربهم ، فأكرمهم ، فأصابوا الحياة والشهادة والرزق الطيب ، قالوا : يا ليت بيننا وبين إخواننا من يبلغهم أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ! فقال الله تبارك وتعالى : أنا رسولكم إلى نبيكم وإخوانكم . فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم : { وَلا تَحْسَبنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أمْواتا بَلْ أحيْاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُون } إلى قوله : { ولا هُمْ يحْزنُون } ، فهذا النبأ الذي بلغ الله ورسوله والمؤمنين ما قال الشهداء .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ} (169)

{ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا } نزلت في شهداء أحد . وقيل في شهداء بدر والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد . وقرئ بالياء على إسناده إلى ضمير الرسول ، أو من يحسب أو إلى الذين قتلوا . والمفعول الأول محذوف لأنه في الأصل مبتدأ جائز الحذف عند القرينة . وقرأ ابن عامر قتلوا بالتشديد لكثرة المقتولين . { بل أحياء } أي بل هم أحياء . وقرئ بالنصب على معنى بل أحسبهم أحياء { عند ربهم } ذوو زلفى منه . { يرزقون } من الجنة وهو تأكيد لكونهم أحياء .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ} (169)

وقرأ جمهور القراء : «ولا تحسبن » بالتاء مخاطبة للنبي عليه السلام ، وقرأ حميد بن قيس ، «ولا يحسبن » بالياء على ذكر الغائب ، ورويت عن ابن عمر وذكره أبو عمرو وكأن الفاعل مقدر : ولا يحسبن أحد أو حاسب ، وأرى هذه القراءة بضم الباء فالمعنى : ولا يحسب الناس ، ويحسبن ، معناه يظن ، وقرأ الحسن : «الذين قتّلوا » ، بشد التاء ، وابن عامر من السبعة ، وروي عن عاصم أنه قرأ : «الذين قاتلوا » بألف بين القاف والتاء ، وأخبر الله تعالى في هذه الآية عن الشهداء : أنهم في الجنة يرزقون ، هذا موضع الفائدة ، ولا محالة أنهم ماتوا وأن أجسادهم في التراب وأرواحهم حية كأرواح سائر المؤمنين وفضلوا بالرزق في الجنة من وقت القتل ، حتى كأن حياة الدنيا دائمة لهم ، قال الحسن بن أبي الحسن : ما زال ابن آدم يتحمد حتى صار حياً لا يموت بالشهادة في سبيل الله ، فقوله : { بل أحياء } مقدمة قوله : { يرزقون } إذ لا يرزق إلا الحي ، وهذا كما تقول لمن ذم رجلاً : بل هو رجل فاضل ، فتجيء باسم الجنس الذي تركب عليه الوصف بالفضل ، وقرأ جمهور الناس : «بل أحياءٌ » بالرفع على خبر ابتداء مضمر ، أي هم أحياء ، وقرأ ابن أبي عبلة ، «بل أحياءً » بالنصب ، قال الزجّاج : ويجوز النصب على معنى بل أحسبهم أحياء ، قال أبو علي في الأغفال : ذلك لا يجوز لأن الأمر يقين فلا يجوز أن يؤمر في بمحسبة ، ولا يصح أن يضمر له إلا فعل المحسبة .

قال القاضي : فوجه قراءة ابن أبي عبلة أن تضمر فعلاً غير المحسبة ، اعتقدهم أو اجعلهم وذلك ضعيف إذ لا دلالة في الكلام على ما يضمر ، وقوله { عند ربهم } فيه حذف مضاف تقديره : عند كرامة ربهم ، لأن { عند } تقتضي غاية القرب ، ولذلك لم تصغر قاله سيبويه ، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أرواح الشهداء على نهر بباب الجنة يقال له بارق ، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً{[3704]} ، وروي عنه عليه السلام أنه قال : ( أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها ) {[3705]} .

قال القاضي رحمه الله : وهؤلاء طبقات وأحوال مختلفة ، يجمعها أنهم يرزقون ، وقال عليه السلام : ، ويروى يعلق بفتح اللام وبالياء ، والحديث معناه في الشهداء خاصة ، لأن أرواح المؤمنين غير الشهداء ، إنما ترى مقاعدها من الجنة دون أن تدخلها ، وأيضاً فإنها لا ترزق ، وتعلق معناه : تصيب العلقة من الطعام ، وفتح اللام هو من التعلق ، وقد رواه الفراء في إصابة العلقة ، وروي عن النبي عليه السلام أنه قال : «إن الله تعالى يطلع إلى الشهداء فيقول : يا عبادي ما تشتهون فأزيدكم ؟ فيقولون يا ربنا لا فوق ما أعطيتنا ، هذه الجنة نأكل منها حيث نشاء ، لكنا نريد أن تردنا إلى الدنيا فنقاتل في سبيلك فنقتل مرة أخرى ، فيقول تعالى : قد سبق أنكم لا تردون »{[3707]} ، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله : «ألا أبشرك يا جابر ؟ » قال جابر : قلت بلى يا رسول الله ، قال : «إن أباك حيث أصيب - بأحد - أحياه الله ، ثم قال : ما تحب يا عبد الله بن عمرو أن أفعل بك ؟ قال : يا رب أحب أن تردني إلى الدنيا فأقاتل فيك فأقتل مرة أخرى »{[3708]} ، وقال قتادة رحمه الله : ذكر لنا أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : ليتنا نعلم ما فعل إخواننا الذين أصيبوا -بأحد- فنزلت هذه الآية{[3709]} وقال محمد بن قيس بن مخرمة{[3710]} في حديث إن الشهداء قالوا يا ربنا ألا رسول يخبر نبينا عنا بما أعطيتنا ؟ فقال الله تعالى : أنا رسولكم ، فنزل جبريل بهذه الآيات ){[3711]} .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وكثرت هذه الأحاديث في هذا المعنى ، واختلفت الروايات وجميع ذلك جائز على ما اقتضبته من هذه المعاني{[3712]} وقوله تعالى : { فرحين } نصب في موضع الحال وهو من الفرح بمعنى السرور ، و «الفضل » في هذه الآية : التنعيم المذكور .


[3704]:- أخرجه الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، والطبراني، وابن حبان، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث عن ابن عباس (الدر المنثور 2/96 وكذا "مجمع الزوائد" 5/298. والمنذري في "الترغيب والترهيب"2/232).
[3705]:- أخرجه الإمام أحمد، وهناد، وعبد بن حميد، وأبو داود، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في "الدلائل" عن ابن عباس: (الدر المنثور2/95. وفتح القدير للشوكاني1/367).
[3706]:- أخرجه الإمام أحمد في مسنده بإسناد فيه الأئمة الثلاثة. عن كعب بن مالك الأنصاري.(ابن كثير1/247. والقسطلاني في المواهب 2/55).
[3707]:-أخرجه عبد الرزاق في المصنف، والفريابي وابن أبي حاتم، والطبراني، وسعيد بن منصور، وهناد، وعبد بن حميد، ومسلم، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في "الدلائل"- عن مسروق (الدر المنثور 2/96، وابن إسحاق في "السيرة" 3/127. وابن كثير 1/246) قال: وروى نحوه أنس، وأبو سعيد.
[3708]:- أخرجه الترمذي وحسنه، وابن ماجة، وابن أبي عاصم في "السنة"، وابن خزيمة، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في "الدلائل" عن جابر، وأخرجه أيضا الحاكم عن عائشة. (الدر المنثور للسيوطي 2/95. وفتح القدير 1/367، وابن كثير 1/427 وابن إسحاق في السيرة 3/127، والقسطلاني في المواهب 3/53).
[3709]:- أخرجه ابن جرير في تفسيره بلفظه. (4/172. والدر المنثور للسيوطي 2/95.
[3710]:- هو محمد بن قيس بن مخرمة بن عبد المطلب القرشي المطلبي، ذكره العسكري: وقال: لحق النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن أبي داود، والبارودي في الصحابة، وجزم البغوي وابن منده وغيرهما أن حديثه مرسل، ذكره ابن حبان، وأبو داود في الثقات، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أمه، وعن إسحاق، وابن جريج، وغيرهم، (الإصابة 3/476. وتهذيب التهذيب).
[3711]:- أخرجه ابن جرير، وابن المنذر- عن محمد بن قيس بن مخرمة. (الدر المنثور 2/95).
[3712]:- من أراد استيفاء هذه الأحاديث فليراجع في هذا الموضوع تفسير "ابن كثير"، و"ابن جرير" و"الدر المنثور" للسيوطي.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ} (169)

قوله : { ولا تحسبن } عطف على { قل فادرءوا عن أنفسكم الموت } [ آل عمران : 168 ] ، فلمّا أمر الله نبيئه أن يجيبهم بما فيه تبكيتهم على طريقة إرخاء العِنان لهم في ظنّهم أنّ الذين قتلوا من إخوانهم قد ذهبوا سُدًى ، فقيل لهم : إنّ الموت لا مفرّ منه على كل حال ، أعرض بعد ذلك عن خطابهم لقلّة أهليتهم ، وأقبل على خطاب من يستأهل المعرفة ، فقال : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً } وهو إبطال لما تلهّف منه المنافقون على إضاعة قتلاهم .

والخطاب يجوز أن يكون للنبيء صلى الله عليه وسلم تعليماً له ، وليُعلِّم المسلمين ، ويجوز أن يكون جارياً على طريقة العرب في عدم إرادة مخاطب معيّن .

والحسبان : الظنّ فهو نهي عن أن يظنّ أنّهم أموات وبالأحرى يكون نهياً عن الجزم بأنَّهم أموات .

وقرأ الجمهور : الذين قُتِلوا بتخفيف التاء وقرأه ابن عامر بتشديد التاء أي قُتِّلوا قتلاً كثيراً .

وقوله : { بل أحياء } للإضراب عن قوله : { ولا تحسبن الذين قتلوا } فلذلك كان ما بعدها جملة غير مفرد ، لأنّها أضربت عن حكم الجملة ولم تُضرب عن مفردٍ من الجملة ، فالوجه في الجملة التي بعدها أن تكون اسمية من المبتدأ المحذوف والخبر الظاهر ، فالتقدير : بل هم أحياء ، ولذلك قرأه السبعة بالرفع ، وقرىء بالنصب على أنّ الجملة فعلية ، والمعنى : بل أحسبتم أحياء ، وأنكرها أبو علي الفارسي .

وقد أثبت القرآن للمجاهدين موتاً ظاهراً بقوله : { قتلوا } ، ونفي عنهم الموت الحقيقي بقوله : { بل أحياء عند ربهم يرزقون } فعلِمنا أنّهم وإن كانوا أموات الأجسام فهم أحياء الأرواح ، حياة زائدة على حقيقة بقاء الأرواح ، غير مضمحلّة ، بل هي حياة بمعنى تحقّق آثار الحياة لأرواحهم من حصول اللذات والمدركات السارّة لأنفسهم ، ومسرّتهم بإخوانهم ، ولذلك كان قوله : { عند ربهم } دليلاً على أنّ حياتهم حياة خاصّة بهم ، ليست هي الحياة المتعارفة في هذا العالم ، أعني حياة الأجسام وجريان الدم في العروق ، ونبضات القلب ، ولا هي حياة الأرواح الثابتة لأرواح جميع الناس ، وكذلك الرزق يجب أن يكون ملائماً لحياة الأرواح وهو رزق النعيم في الجنّة . فإن علّقنا { عند ربهم } بقوله : أحياء كما هو الظاهر ، فالأمر ظاهر ، وإن علقناه بقوله : { يرزقون } فكذلك ، لأنّ هذه الحياة لمّا كان الرزق الناشىء عنها كائناً عند الله ، كانت حياة غير مادّية ولا دنيويَّة ، وحينئذ فتقديم الظرف للاهتمام بكينونة هذا الرزق .