التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ} (169)

قوله تعالى : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ) .

يبين الله أن الذين يقتلون مجاهدين في سبيل الله قد أعد لهم كرامة خاصة لا تتسنى لغير الشهداء . فالناس بالقتل تزهق أرواحهم ليكونوا في عددا الموتى ، لكن قتلى الجهاد لا يموتون ، بل يكونون أحياء ينعمون بالحياة الخاصة الحافلة بالنعيم والتكريم . والآية في شهداء أحد . وقيل : نزلت في شهداء بئر معونة . وقيل : بل هي عامة في جميع الشهداء . وفي الكشف عن طبيعة الحال التي يكون عليها الشهداء وما أعد الله لهم من الحياة الخاصة عقب القتل ، أخرج مسلم بإسناده عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال : سألنا عبد الله عن هذه الآية ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله ) فقال : أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : " أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القنادل " .

وروى الإمام أحمد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا إلا الشهيد فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى مما يرى من فضل الشهادة " {[635]} .

قوله : ( لا تسحبن الذين قتلوا ) الخطاب للرسول صلى الله عليه و سلم فهو الحاسب . وقيل : كل أحد . فيكون ( الذين ) في محل نصب مفعول به أول . و ( أمواتا ) مفعول به ثان منصوب وقوله ( أحياء ) خبر مرفوع لمبتدأ محذوف تقديره هم . وتقدير الكلام : بل هم أحياء .

والمراد أن الشهداء أحياء يرزقون في الجنة . وهم وإن فارقوا الحياة الدنيا وأجسادهم في التراب فإن أرواحهم حية لم يأت عليها الموت . وقد فضلهم الله بالرزق في الجنة عقب القتل مباشرة .


[635]:- تفسير ابن كثير جـ 1 ص 426.