أخْبَرَ سبحانه عن الشهداءِ ، أنهم في الجنَّة أحياءٌ يرزقُونَ ، وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، أنَّه قال : ( إنَّ اللَّهَ يَطَّلِعُ عَلَى الشُّهَدَاءِ ، فَيَقُولُ : يَا عِبَادِي ، مَا تَشْتَهُونَ ، فَأَزِيدَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : يَا رَبَّنَا ، لاَ فَوْقَ مَا أَعْطَيْتَنَا ، هَذِهِ الجَنَّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ نَشَاءُ ، لَكِنَّا نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنَا إلَى الدُّنْيَا ، فَنُقَاتِلَ فِي سَبِيلِكَ ، فَنُقْتَلُ مَرَّةً أخرى ، فَيَقُولُ سُبْحَانَهُ : ( قَدْ سَبَقَ أَنَّكُمْ لاَ تُرَدُّونَ ) ، والأحاديثُ في فَضْل الشُّهَداء كثيرةٌ .
قال الفَخْر : والرواياتُ في هذا البابِ كأنَّها بلَغَتْ حدَّ التواتر ، ثم قَالَ : قال بعْضُ المفسِّرين : أرواحُ الشُّهَدَاءِ أحياءٌ ، وهي تركَعُ وتَسْجُدُ تَحْتَ العَرْشِ إلى يَوْمِ القِيامةِ ، اه .
والعقيدةُ أنَّ الأرواحَ كلَّها أحياء ، لا فرق بَيْن الشهداءِ وغيرهم في ذلك ، إلاَّ ما خَصَّص اللَّه به الشُّهداءَ مِنْ زيادَةِ المَزِيَّة والحياةِ الَّتِي ليْسَتْ بمكيَّفة ، وفي «صحيح مسْلِمٍ » ، عن مَسْرُوقٍ ، قال : سَأَلْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ عن هذه الآية : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أمواتا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ }[ آل عمران :169 ] فقال : أَمَّا أَنَا ، فَقَدْ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : يَعْنِي النبيَّ صلى الله عليه وسلم : ( أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقةٌ بِالعَرْشِ ، تَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ، ثُمَّ تَأْوِي إلى تِلْكَ القَنَادِيلِ . . . ) الحديثَ إلى آخره ، اه .
ومن الآثار الصحيحةِ الدالَّة على فَضْلِ الشُّهداءِ ما رواه مالكٌ في «الموطَّأ » ، أنه بلَغَهُ أنَّ عمرو بْنَ الجَمُوحِ ، وعبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الأنصارِيَّيْنِ ثُمَّ السُّلَمِيَّيْنِ كَانَا قَدْ حَفَرَ السَّيْلُ قبرهما ، وكان قَبْرُهما ممَّا يَلِي السَّيْلَ ، وكانا في قَبْرٍ واحدٍ ، وهما مِمَّن استشهد يَوْمَ أُحُدٍ ، فحفر عنهما ليغيَّرَا مِنْ مَكَانِهِمَا ، فَوُجِدَا لم يُغَيَّرا ، كأنما ماتا بالأمْسِ ، وكان أحدُهُما قَدْ جُرِحَ فَوَضَعَ يَدَهُ على جُرْحِهِ ، فَدُفِنَ ، وهو كذلك ، فَأُمِيطَتْ يده عَنْ جُرْحِهِ ، ثم أرْسِلَتْ ، فَرَجَعَتْ ، كما كانَتْ ، وكان بَيْنَ أُحُدٍ ، وبَيْنَ يَوْمَ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وأربعون سنَةً ) ، قال أبو عمر في «التمهيد » : حديثُ مالكٍ هذا يتَّصلُ من وجوهٍ صحاحٍ بمعنى واحدٍ متقاربٍ ، وعبد اللَّه بن عمرو هذا هو والدُ جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ ، وعَمْرُو بْنُ الجَمُوحِ هو ابنُ عَمِّه ، ثم أسند أبو عمر ، عن جابرِ بنِ عبْدِ اللَّهِ ، قال : لما أراد معاويةُ أنْ يُجْرِيَ العَيْنَ بأُحُدٍ ، نُودِيَ بالمدينةِ : مَنْ كان له قتيلٌ ، فليأت قتيله ، قال جابرٌ : فأتيناهم ، فأخرجْنَاهم رطَاباً يَتَثَنَّوْنَ ، فأصابَتِ المِسْحَاةُ أُصْبُعَ رَجُلٍ مِنْهُمْ ، فانفطرت دَماً ، قال أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ : " لاَ يُنْكِرُ بَعْدَ هَذَا مُنْكَرٌ أَبداً " ، وفي رواية : «فاستخرجهم يعني : معاويةَ ، بعد سِتٍّ وأربعين سنَةً لَيِّنَةً أجسادُهم ، تتثنى أطرافهم ) ، قال أبو عمر : الذي أصابَتِ المِسْحَاةُ أصبُعَهُ هو حمزةُ ( رضي اللَّه عنه ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.