تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِن تَجۡهَرۡ بِٱلۡقَوۡلِ فَإِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخۡفَى} (7)

وقوله : { وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى } أي : أنزل هذا القرآن الذي خلق [ الأرض والسموات العلى ، الذي يعلم السر وأخفى ، كما قال تعالى : { قُلْ أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي ] {[19219]} السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } [ الفرقان : 6 ] .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى } قال : السر ما أسرّ ابن آدم في نفسه ، { وَأَخْفَى } : ما أخفى على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه فالله يعلم ذلك كله ، فَعلْمه فيما مضى من ذلك وما بقي عِلْم واحد ، وجميع الخلائق في ذلك عنده كنفس واحدة ، وهو قوله : { مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ لقمان : 28 ] .

وقال الضحاك : { يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى } قال : السر : ما تحدث به نفسك ، وأخفى : ما لم تحدث به نفسك بعد .

وقال سعيد بن جبير : أنت تعلم ما تسر اليوم ، ولا تعلم ما تسر غدًا ، والله يعلم ما تسر اليوم ، وما تسر غدًا .

وقال مجاهد : { وَأَخْفَى } يعني : الوسوسة .

وقال أيضًا هو وسعيد بن جبير : { وَأَخْفَى } أي : ما هو عامله مما لم يحدث به نفسه .


[19219]:زيادة من ف.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِن تَجۡهَرۡ بِٱلۡقَوۡلِ فَإِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخۡفَى} (7)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنّهُ يَعْلَمُ السّرّ وَأَخْفَى * اللّهُ لآ إِلََهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الأسْمَآءُ الْحُسْنَىَ } .

يقول تعالى ذكره : وإن تجهر يا محمد بالقول ، أو تخف به ، فسواء عند ربك الذي له ما في السموات وما في الأرض فإنّهُ يَعْلَمُ السّرّ يقول : فإنه لا يخفى عليه ما استسررته في نفسك ، فلم تبده بجوارحك ولم تتكلم بلسانك ، ولم تنطق به وأخفى .

ثم اختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله وأخْفَى فقال بعضهم : معناه : وأخفى من السرّ ، قال : والذي هو أخفى من السرّ ما حدّث به المرء نفسه ولم يعمله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس " يَعْلَمُ السّرّ وأخْفَى " قال : السرّ : ما عملته أنت وأخفى : ما قذف الله في قلبك مما لم تعمله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " يَعْلَمُ السّرّ وأخْفَى " يعني بأخفى : ما لم يعمله ، وهو عامله وأما السرّ : فيعني ما أسرّ في نفسه .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله " يَعْلَمُ السّر وأخْفَى " قال : السرّ : ما أسرّ ابن آدم في نفسه . وأخفى : قال : ما أخفى ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعمله ، فالله يعلم ذلك ، فعلمه فيما مضى من ذلك ، وما بقي علم واحد ، وجميع الخلائق عنده في ذلك كنفس واحدة ، وهو قوله : " ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إلاّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ " .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس : السرّ : ما أسرّ الإنسان في نفسه وأخفى : ما لا يعلم الإنسان مما هو كائن .

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ومحمد بن عمرو ، قالا : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : " يَعْلَمُ السّرّ وأخْفَى " قال : أخفى : الوسوسة . زاد ابن عمرو والحارث في حديثيهما : والسرّ : العمل الذي يسرّون من الناس .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وأخْفَى قال : الوسوسة .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله " يَعْلَمُ السّرّ وأخْفَى " قال : أخفى حديث نفسك .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن الأشقر ، قال : حدثنا أبو كُدَينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله " يَعْلَمُ السّرّ وأخْفَى " قال : السرّ : ما يكون في نفسك اليوم . وأخفى : ما يكون في غد وبعد غد ، لا يعلمه إلاّ الله .

وقال آخرون : بل معناه : وأخفى من السرّ ما لم تحدّث به نفسك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الفضل بن الصباح ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن عطاء ، عن سعيد بن جُبير ، في قوله : " يَعْلَمُ السّرّ وأخْفَى " قال : السرّ : ما أسررت في نفسك وأخفى من ذلك : ما لم تحدّث به نفسك .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة " وَإنْ تَجْهَرْ بالقَوْلِ فإنّهُ يَعْلَمُ السّرّ وأخْفَى " كنا نحدث أن السرّ ما حدّثت به نفسك ، وأن أخفى من السرّ : ما هو كائن مما لم تحدّث به نفسك .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا أبو هلال ، قال : حدثنا أبو قتادة ، قوله في " يَعْلَمُ السّرّ وأخْفَى " قال : يعلم ما أسررت في نفسك ، وأخفى : ما لم يكن وهو كائن .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله " يَعْلَمُ السّرّ وأخْفَى " قال : أخفى من السرّ : ما حدّثت به نفسك ، وما لم تحدث به نفسك أيضا مما هو كائن .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " يَعْلَمُ السّرّ وأخْفَى " أما السرّ : فما أسررت في نفسك . وأما أخفى من السرّ : فما لم تعمله وأنت عامله ، يعلم الله ذلك كله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه يعلم سرّ العباد ، وأخفى سرّ نفسه ، فلم يطلع عليه أحدا . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " يَعْلَمُ السّرّ وأخْفَى " قال : يعلم أسرار العباد ، وأخفى سرّه فلا يعلم .

قال أبو جعفر : وكأن الذين وجّهوا ذلك إلى أن السرّ هو ما حدّث به الإنسان غيره سرّا ، وأن أخفى : معناه : ما حدّث به نفسه ، وجهوا تأويل أخفى إلى الخفيّ . وقال بعضهم : قد توضع أفعل موضع الفاعل ، واستشهدوا لقيلهم ذلك بقول الشاعر :

تَمَنّى رِجالٌ أنْ أمُوتَ وَإنْ أمُتْ *** فتلكَ طَرِيقٌ لَسْتُ فِيها بأوْحَدِ

والصواب من القول في ذلك ، قول من قال : معناه : يعلم السرّ وأخفى من السرّ ، لأن ذلك هو الظاهر من الكلام ولو كان معنى ذلك ما تأوّله ابن زيد ، لكان الكلام : وأخفى الله سرّه ، لأن أخفى : فعل واقع متعدّ ، إذ كان بمعنى فعل على ما تأوّله ابن زيد ، وفي انفراد أخفى من مفعوله ، والذي يعمل فيه لو كان بمعنى فعل الدليل الواضح على أنه بمعنى أفعل ، وأن تأويل الكلام : فإنه يعلم السرّ وأخفى منه . فإذ كان ذلك تأويله ، فالصواب من القول في معنى أخفى من السرّ أن يقال : هو ما علم الله مما أخفى عن العباد ، ولم يعلموه مما هو كائن ولما يكن ، لأن ما ظهر وكان فغير سرّ ، وأن ما لم يكن وهو غير كائن فلا شيء ، وأن ما لم يكن وهو كائن فهو أخفى من السرّ ، لأن ذلك لا يعلمه إلاّ الله ، ثم من أعلمه ذلك من عباده .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِن تَجۡهَرۡ بِٱلۡقَوۡلِ فَإِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخۡفَى} (7)

ولما كانت القدرة تابعة للإرادة وهي لا تنفك عن العلم عقب ذلك بإحاطة علمه تعالى بجليات الأمور وخفياتها على سواء فقال : { وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى } أي وإن تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم أنه غني عن جهرك فإنه سبحانه يعلم السر وأخفى منه ، وهو ضمير النفس . وفيه تنبيه على أن شرع الذكر والدعاء والجهر فيهما ليس لإعلام الله بل لتصوير النفس بالذكر ورسوخه فيها ومنعها عن الاشتغال بغيره وهضمها بالتضرع والجؤار .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِن تَجۡهَرۡ بِٱلۡقَوۡلِ فَإِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخۡفَى} (7)

وقوله { وإن تجهر بالقول } معناه وإن كنتم أيها الناس إذ أردتم إعلام أحد بأمر أو مخاطبة أوثانكم وغيرها فأنتم تجهرون بالقول فإن الله الذي هذه صفاته { يعلم السر وأخفى } فالمخاطبة ب { تجهر } لمحمد عليه السلام وهي مراد جميع الناس إذ هي آية اعتبار ، واختلف الناس في ترتيب { السر } وما هو { أخفى } منه ، فقالت فرقة { السر } هو الكلام الخفي كقراءة السر في الصلاة ، و «الأخفى » هو ما في النفس ، وقالت فرقة وهو ما في النفس متحصلاً ، و «الأخفى » هو ما سيكون فيها في المستأنف ، وقالت فرقة { السر } هو ما في نفوس البشر ، وكل ما يمكن أن يكون فيها في المستأنف بحسب الممكنات من معلومات البشر ، و «الأخفى » هو ما من معلومات الله لا يمكن أن يعلمه البشر البتة ع : فهذا كله معلوم لله عز وجل .

وقد تؤول على بعض السلف أنه جعل { أخفى } فعلاَ ماضياً وهذا ضعيف .