فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِن تَجۡهَرۡ بِٱلۡقَوۡلِ فَإِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخۡفَى} (7)

{ وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى } الجهر بالقول هو رفع الصوت به ، والسر ما حدّث به الإنسان غيره وأسره إليه ، والأخفى من السر هو ما حدّث به الإنسان نفسه وأخطره بباله ، والمعنى إن تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم أنه غني عن ذلك فإنه يعلم السر وما هو أخفى من السر فلا حاجة لك إلى الجهر بالقول ، وفي هذا معنى النهي عن الجهر كقوله سبحانه : { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة } وقيل السر ما أسر الإنسان في نفسه ، والأخفى منه هو ما خفي على ابن آدم مما هو فاعله وهو لا يعلمه . وبه قال ابن عباس ، وزاد فإنه يعلم ذلك كله فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد ؛ وجميع الخلائق عنده فيلك كنفس واحدة ، وهو كقوله : { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } .

وقيل السر ما أضمره الإنسان في نفسه والأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد ، وقيل السر سر الخلائق ، والأخفى منه سر الله عز وجل ، وأنكر ذلك ابن جرير وقال : إن الأخفى ما ليس في سر الإنسان وسيكون في نفسه .

وعن ابن عباس أيضا قال : السر ما علمته أنت ، وأخفى ما قذف الله في قلبك مما لم تعلمه ، وفي لفظ : يعلم ما تسر في نفسك ويعلم ما تعمل غدا .

وفي الآية تنبيه على أن الذكر والدعاء والجهر فيهما ليس لإعلام الله تعالى وإسماعه ، بل لغرض آخر كتصوير النفس بالذكر ورسوخها فيه ودفع الشواغل والوساوس ، ومنها عن الاشتغال بغيره ، وهضمها بالتضرع والجؤار ثم ذكر أن الموصوف بالعبادة على الوجه المذكور هو الله سبحانه المتنزه عن الشريك المستحق لتسميته بالأسماء الحسنى فقال :