البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِن تَجۡهَرۡ بِٱلۡقَوۡلِ فَإِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخۡفَى} (7)

ولما ذكر تعالى أولاً إنشاء السموات والأرض وذكر أن جميع ذلك وما فيهما ملكه ذكر تعالى صفة العلم وأن علمه لا يغيب عنه شيء والخطاب بقوله : { وإن تجهر بالقول } للرسول ظاهر أو المراد أمته ، ولما كان خطاب الناس لا يتأتى إلاّ بالجهر بالكلام جاء الشرط بالجهر وعلق على الجهر علمه بالسر لأن علمه بالسر يتضمن علمه بالجهر ، أي إذا كان يعلم السر فأحرى أن يعلم الجهر والسر مقابل للجهر كما قال { يعلم سركم وجهركم } والظاهر أن { أخفى } أفعل تفضيل أي { وأخفى } من السر .

قال ابن عباس : { السر } ما تسره إلى غيرك ، والأخفى ما تخفيه في نفسك وقاله الفراء .

وعن ابن عباس أيضاً { السر } ما أسره في نفسه ، والأخفى ما خفي عنه مما هو فاعله وهو لا يعلمه .

وعن قتادة : قريب من هذا .

وقال مجاهد : { السر } ما تخفيه من الناس { وأخفى } منه الوسوسة .

وقال ابن زيد { السر } سر الخلائق { وأخفى } منه سره تعالى وأنكر ذلك الطبري .

وقيل : { السر } العزيمة { وأخفى } منه ما لم يخطر على القلب ، وذهب بعض السلف إلى أن قوله { وأخفى } هو فعل ماض لا أفعل تفضيل أي { يعلم } أسرار العباد { وأخفى } عنهم ما يعلمه هو كقوله { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه } وقوله { ولا يحيطون به علماً } قال ابن عطية : وهو ضعيف .

وقال الزمخشري : وليس بذلك قال : فإن قلت : كيف طابق الجزاء الشرط ؟ قلت : معناه إن تجهر بذكر الله من دعاء أو غيره فاعلم أنه غني عن جهرك فإما أن يكون نهياً عن الجهر كقوله { واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول } وإما تعليماً للعباد أن الجهر ليس لإسماع الله وإنما هو لغرض آخر انتهى .