تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٖ وَأَنۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقۡتَرَبَ أَجَلُهُمۡۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۭ بَعۡدَهُۥ يُؤۡمِنُونَ} (185)

يقول تعالى : { أَوَلَمْ يَنْظُرُوا } - هؤلاء المكذبون بآياتنا - في ملك الله وسلطانه في السماوات والأرض ، وفيما خلق [ الله ]{[12438]} من شيء فيهما ، فيتدبروا ذلك ويعتبروا به ، ويعلموا أن ذلك لمن لا نظير له ولا شبيه ، ومِنْ فِعْل من لا ينبغي أن تكون{[12439]} العبادة . والدين الخالص إلا له . فيؤمنوا به ، ويصدقوا رسوله ، وينيبوا إلى طاعته ، ويخلعوا الأنداد والأوثان ، ويحذروا أن تكون آجالهم قد اقتربت ، فيهلكوا على كفرهم ، ويصيروا إلى عذاب الله وأليم عقابه .

وقوله : { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } ؟ يقول : فبأي تخويف وتحذير وترهيب - بعد تحذير محمد وترهيبه ، الذي أتاهم به من عند الله في آي كتابه - يصدقون ، إن لم يصدقوا بهذا الحديث الذي جاءهم به محمد من عند الله ، عز وجل ؟ ! .

وقد روى الإمام أحمد عن حسن بن موسى وعفان{[12440]} بن مسلم وعبد الصمد بن عبد الوارث ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جُدْعَان ، عن أبي الصلت ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت ليلة أسري بي ، لما انتهينا إلى السماء السابعة ، فنظرت فوقي ، فإذا أنا برعد وبرق وصواعق " ، قال : " وأتيت على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم ، قلت : من

هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء أكلة الربا . فلما نزلت إلى السماء الدنيا فنظرت إلى أسفل مني ، فإذا أنا برَهج ودخان وأصوات{[12441]} فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذه الشياطين{[12442]} يُحَرِّفون على أعين بني آدم أن لا يتفكروا في ملكوت السماوات والأرض ، ولولا ذلك لرأوا العجائب " .

علي بن زيد بن جدعان له منكرات{[12443]} .


[12438]:زيادة من م.
[12439]:في ك، أ: "يكون".
[12440]:في أ: "عثمان".
[12441]:في م: "وأصوات عالية".
[12442]:في أ: "هذه أصوات الشياطين".
[12443]:المسند (2/353).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٖ وَأَنۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقۡتَرَبَ أَجَلُهُمۡۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۭ بَعۡدَهُۥ يُؤۡمِنُونَ} (185)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىَ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : أو لم ينظر هؤلاء المكذّبون بآيات الله في مُلك الله وسلطانه في السموات وفي الأرض وفيما خلق جلّ ثناؤه من شيء فيهما ، فيتدبروا ذلك ويعتبروا به ويعلموا أن ذلك ممن لا نظير له ولا شبيه ، ومن فعل من لا ينبغي أن تكون العبادة والدين الخالص إلاّ له ، فيؤمنوا به ويصدّقوا رسوله وينيبوا إلى طاعته ويخلعوا الأنداد والأوثان ويحذروا أن تكون آجالهم قد اقتربت فيهلكوا على كفرهم ويصيروا إلى عذاب الله وأليم عقابه .

وقوله : فَبِأيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ يقول : فبأيّ تجويف وتحذير وترهيب بعد تحذير محمد صلى الله عليه وسلم وترهيبه الذي أتاهم به من عند الله في آي كتابه يصدّقون ، إن لم يصدّقوا بهذا الكتاب الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٖ وَأَنۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقۡتَرَبَ أَجَلُهُمۡۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۭ بَعۡدَهُۥ يُؤۡمِنُونَ} (185)

{ أوَ لم ينظروا } نظر استدلال . { في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء } مما يقع عليه اسم الشيء من الأجناس التي لا يمكن حصرها ليدلهم على كمال قدرة صانعها ، ووحدة مبدعها وعظم شأن مالكها ، ومتولي أمرها ليظهر لهم صحة ما يدعوهم إليه . { وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم } عطف على ملكوت وأن مصدرية أو مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن وكذا اسم يكون والمعنى : أو لم ينظروا في اقتراب آجالهم وتوقع حلولها فيسارعوا إلى طلب الحق والتوجه إلى ما ينجيهم ، قبل مغافصة الموت ونزول العذاب . { فبأي حديث بعده } أي بعد القرآن . { يؤمنون } إذا لم يؤمنوا به ، وهو النهاية في البيان كأنه إخبار عنهم بالطبع والتصميم على الكفر بعد إلزام الحجة والإرشاد إلى النظر . وقيل هو متعلق بقوله : عسى أن يكون ، كأنه قيل لعل أجلهم قد اقترب فما بالهم لا يبادرون الإيمان بالقرآن ، وماذا ينتظرون بعد وضوحه فإن لم يؤمنوا به فبأي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا به .