تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَوَلَمۡ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٖ وَأَنۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقۡتَرَبَ أَجَلُهُمۡۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۭ بَعۡدَهُۥ يُؤۡمِنُونَ} (185)

الآية 185 وقوله تعالى : { أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض } الآية : يحتمل هذا على الابتداء ، ويحتمل على الصلة بالأول ، وهو أنهم إذا تفكروا في ملكوت السماوات والأرض عرفوا ألوهية الله وربوبيته لما يرون من اتصال منافع بعض ببعض على بعد ما بينهما واتساق التدبير في ذلك ، فعرفوا أن ذلك كله{[9193]} مسخّر لمن له التمييز ، وأن المقصود في خلقه أهل التمييز .

فإذا عرفوا ذلك عرفوا أنهم يحتاجون إلى من يعرّفهم{[9194]} ذلك ، ويعلّمهم ما يحتاجون في ذلك .

ويحتمل على ابتداء الأمر بالتفكر { في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء } ليدلّهم على وحدانيته وربوبيته .

وقوله تعالى : { وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم } كان هذا نزل{[9195]} في من عرف صدقه لكنه عاند في تكذيبه ، فقال : { وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم } يحذّرهم ليرجعوا إلى تصديقه مخافة الخروج من الدنيا على ما هم عليه .

وقوله تعالى : { فبأي حديث بعده يؤمنون } هذا يتوجه وجهين :

أحدهما : أنكم ممن تقبلون الأخبار والحديث .

فإذا لم تقبلوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخبره ، ولم تصدّقوه ، فبأي حديث بعده تقبلون ؟ وتصدّقون ؟ ومعه حجج وبراهين ، والله أعلم .

والثاني : أن يكون قوله : { فبأي حديث بعده يؤمنون } بعد القرآن ، وهو كما وصفه : { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } الآية : [ فصلت : 42 ] وقال { لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } [ الإسراء : 88 ] فإذا لم تقبلوا هذا ، ولم تصدّقوه وهو بالوصف الذي ذكر ، وأنتم ممن تقبلون الحديث { فبأي حديث بعده يؤمنون } تقبلون ؟

وجائز أن يكون قوله تعالى : { فبأي حديث بعده يؤمنون } يريد به الآخرة ؛ يقول : إذا اقترب أجلهم { فبأي حديث بعده يؤمنون } أي لا حديث بعده يؤمنون . والتأويل الآخر في الدنيا .


[9193]:من م، في الأصل: كل.
[9194]:من م، في الأصل: يعرفونهم.
[9195]:في الأصل: وم: ترك.