فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَوَلَمۡ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٖ وَأَنۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقۡتَرَبَ أَجَلُهُمۡۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۭ بَعۡدَهُۥ يُؤۡمِنُونَ} (185)

{ أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض } الاستفهام للانكار والتوبيخ والتقريع ولقصد التعجب من إعراضهم عن النظر في الآيات البينات الدالة على كمال قدرته وتفرده بالإلهية .

وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد

والملكوت من أبنية المبالغة ومعناه الملك العظيم ، وقد تقدم بيانه ، والمعنى أن هؤلاء لم يتفكروا حتى ينتفعوا بالتفكر ، ولا نظروا في مخلوقات الله حتى يهتدوا بذلك على الإيمان به بل هم متبادرون في ضلالتهم خائضون في غوايتهم لا يعملون فكرا ، ولا يمعنون نظرا .

{ وما خلق الله } أي ولم ينظروا فيما خلق { من شيء } من الأشياء كائنا ما كان فإن في جميع مخلوقاته عبرة للمعتبرين وهو عظة للمتفكرين سواء كانت من جلائل مصنوعاته كملكوت السماوات والأرض أو من دقائقها من سائر مخلوقاته { وأن } أي أو لم ينظروا في أن الشأن والحديث { عسى أن يكون قد اقترب أجلهم } فيموتون عن قريب ، والمعنى أنهم إذا كانوا يجوزون قرب آجالهم فما لهم لا ينظرون فيما يهتدون به وينتفعون بالتفكر فيه والاعتبار به ، وافتعل هنا بمعنى المجرد أي قرب أجلهم{[805]} .

{ فبإي حديث بعده } الضمير للقرآن وقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم وقيل للأجل المذكور قبله وقيل الضمير يرجع على ما تقدم من التفكر والنظر في الأمور المذكورة أي بأي حديث بعد هذا المتقدم بيانه { يؤمنون } وفي هذا الاستفهام من التقريع والتوبيخ ما لا يقادر قدره ، والجملة الاستفهامية سيقت للتعجب أي إذا لم يؤمنوا بهذا الحديث فكيف يؤمنون بغيره .


[805]:- قلت: هذا هو الصحيح في الباب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله". وترجم ابن المنذر في كتاب الأشراف (ذكر صفة كمال الإيمان) اجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأن كل ما جاء به محمد حق، وأبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام- وهو بالغ صحيح العقل- أنه مسلم. (ذكره القرطبي 7/ 331).