السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَوَلَمۡ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيۡءٖ وَأَنۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقۡتَرَبَ أَجَلُهُمۡۖ فَبِأَيِّ حَدِيثِۭ بَعۡدَهُۥ يُؤۡمِنُونَ} (185)

{ أو لم ينظروا } أي : نظر اعتبار واستدلال { في ملكوت السماوات والأرض } أي : ملكهما البالغ { وما } أي : وفيما { خلق الله من شيء } أي : غيرهما مما يقع عليه الشيء من الأجناس التي لا يمكن حصرها ليدل لهم على كمال قدرة صانعها ووحدة مبدعها وعظم شأن مالكها ومتولي أمرها ؛ ليظهر لهم صحة ما يدعوهم إليه ، وقوله تعالى : { وأن عسى أن يكون قد اقترب } أي : دنا { أجلهم } عطف على ملكوت ، وأن مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن وكذا اسم يكون ولا يصح أن تكون أن مصدرية خلافاً للبيضاوي قال التفتازانيّ : لأنّ المصدرية لا تدخل الأفعال غير المتصرّفة التي لا مصادر لها ، والمعنى أو لم ينظروا في اقتراب آجالهم وتوقع حلولها ، فيسارعوا إلى طلب الحق والتوجه إلى ما ينجيهم قبل مفاجأة الموت ونزول العذاب ، فلعل أجلهم قد اقترب فيموتوا على الكفر قبل أن يؤمنوا فيصيروا إلى النار ، فيجب على العاقل المبادرة إلى التفكر والاعتبار والنظر المؤدي إلى الفوز والنعيم الدائم { فبأيّ حديث } أي : كتاب { بعده } أي : الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم { يؤمنون } أي : يصدّقون ، وليس بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبيّ ولا بعد كتابه كتاب ؛ لأنه خاتم الأنبياء ، وكتابه خاتم الكتب لانقطاع الوحي بعده صلى الله عليه وسلم .

فإن قيل : قوله تعالى : { فبأي حديث بعده يؤمنون } يدل على أنّ القرآن حادث كما تمسك به بعض المعتزلة أجيب : من جهة أهل السنة : بأنّ ذلك محمول على الألفاظ من الكلمات ولا نزاع في حداثتها .