تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ يَهۡدِيهِمۡ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمۡۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ} (9)

وهذا إخبار عن حال السعداء الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ، وامتثلوا ما أمروا ، به فعملوا الصالحات ، بأنه سيهديهم بإيمانهم .

يحتمل أن تكون " الباء " هاهنا سببية فتقديره : بسبب إيمانهم في الدنيا يهديهم الله يوم القيامة

على الصراط ، حتى يجوزوه ويخلصُوا إلى الجنة . ويحتمل أن تكون للاستعانة ، كما قال مجاهد في قوله : { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } قال : [ يكون لهم نورا يمشون به ]{[14072]} . وقال ابن جُرَيْج في [ قوله : { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } قال ]{[14073]} : يمثُل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة إذا قام من قبره ، يعارض صاحبه ويبشره بكل خير ، فيقول له : من أنت ؟ فيقول : أنا عملك . فيجعل{[14074]} له نورا . من بين يديه حتى يدخله{[14075]} الجنة ، فذلك قوله تعالى : { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } والكافر يَمْثُلُ له عمله في صورة سيئة وريح منتنة فيلازم صاحبه ويلازُّه{[14076]} حتى يقذفه في النار .

وروي نحوه عن قتادة مرسلا فالله أعلم .


[14072]:- زيادة من ت ، أ.
[14073]:- زيادة من ت ، أ ، وفي هـ : "الآية".
[14074]:- في ت : "فنجعل".
[14075]:- في ت : "يدخل".
[14076]:- في ت : "ويلاده".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ يَهۡدِيهِمۡ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمۡۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ} (9)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ فِي جَنّاتِ النّعِيمِ } .

يقول تعالى ذكره : إنّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ إن الذين صدّقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات ، وذلك العمل بطاعة الله والانتهاء إلى أمره . يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بإيمانِهِمْ يقول : يرشدهم ربهم بإيمانهم به إلى الجنة . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأنهارُ فِي جَنّاتِ النّعِيمِ بلغنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : «إنّ المُؤْمِنَ إذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ صُوّرَ لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَة حَسَنَة ، فَيُقُولُ لَهُ : ما أنْتَ ، فوَاللّهِ إنّي لأرَاكَ امْرأ صِدْقٍ ؟ فَيَقُولُ : أنا عَمَلُكَ ، فَيَكُون لَهُ نُورا وَقائِدا إلى الجَنّةِ . وأمّا الكافِرُ إذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ صُوّرَ لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَةٍ سَيّئَةٍ وَبِشارَةٍ سَيّئَةٍ ، فَيَقُولُ : ما أنْتَ فَواللّهِ إنّي لأَرَاكَ أمْرأَ سَوْءٍ ؟ فَيَقُولُ : أنا عَمَلُكَ . فَيَنْطَلِقُ بِهِ حتى يُدْخِلَهُ النّارُ » .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بإيمانِهِمْ قال : يكون لهم نورا يمشون به .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وقال ابن جريج : يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بإيمانِهِمْ قال : يمثل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة ، يعارض صاحبه ويبشره بكل خير ، فيقول له : من أنت ؟ فيقول : أنا عملك فيجعل له نورا من بين يديه حتى يدخله الجنة ، فذلك قوله : يَهْدِيهِمْ رَبّهُمْ بإيمانِهِمْ . والكافر يمثل له عمله في صورة سيئة وريح منتنة ، فيلازم صاحبه ويُلادّه حتى يقذفه في النار .

وقال آخرون : معنى ذلك : بإيمانهم يهديهم ربهم لدينه ، يقول : بتصديقهم هداهم . ذكر من قال ذلك :

وقوله : تَجْرِي مِنْ تَحْتَهِمُ الأنهارُ يقول : تجري من تحت هؤلاء المؤمنين الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم أنهار الجنة . في جَنّاتِ النّعِيمِ يقول : في بساتين النعيم الذي نعمّ الله به أهل طاعته والإيمان به .

فإن قال قائل : وكيف قيل تجري من تحتهم الأنهار ، وإنما وصف جلّ ثناؤه أنهار الجنة في سائر القرآن أنها تجري تحت الجنات ؟ وكيف يمكن الأنهار أن تجري من تحتهم إلا أن يكونوا فوق أرضها والأنهار تجري من تحت أرضها ، وليس ذلك من صفة أنهار الجنة ، لأن صفتها أنها تجري على وجه الأرض في غير أخاديد ؟ قيل : إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبتَ ، وإنما معنى ذلك : تجري من دونهم الأنهار إلى ما بين أيديهم في بساتين النعيم ، وذلك نظير قول الله : قَدْ جَعَلَ رَبّكِ تَحْتَكِ سَرِيّا ومعلوم أنه لم يجعل السريّ تحتها وهي عليه قاعدة ، إذ كان السريّ هو الجدول ، وإنما عني به جعل دونها : بين يديها ، وكما قال جلّ ثناؤه مخبرا عن قيل فرعون : ألَيْسَ لي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي بمعنى : من دوني بين يدي .