وأما حال الذي يؤمن به فذلك قوله : { إن الذين آمنوا } استكملوا من جهة القوة النظرية { وعملوا الصالحات } استكملوا من قبل القوة العملية أو صدقوا بقوله ثم حققوا التصديق بالعمل الصالح الذي جاءت به الأنبياء والكتب من عند الله ، أو أشغلوا قلوبهم وأرواحهم بتحصيل المعرفة ثم جوارحهم بالخدمة حتى تكون عيونهم مشغولة بالاعتبار ، وآذانهم باستماع كلام الله ، وألسنتهم بذكر الله وسائر أعضائهم بطاعة الله تعالى : { يهديهم ربهم بإيمانهم } قال أكثر المفسرين : معناه يهديهم إلى الجنة ثواباً لهم على إيمانهم وأعمالهم الصالحة . ومعنى قوله : { بإيمانهم } أي بإيمانهم هذا المضموم إليه العمل الصالح ، وهذا التفسير يوافق قوله تعالى : { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم } [ الحديد : 12 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : «إن المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله الصالح في صورة حسنة فيقول له : أنا عملك فيكون له نوراً وقائداً إلى الجنة . والكافر إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة فيقول : أنا عملك فينطلق به إلى النار » وقيل : معنى الآية إن إيمانهم يهديهم إلى مزايا من الألطاف ولوامع من الأنوار بحيث تزول بواسطتها عنهم الشكوك والشبهات فتؤدي إلى حصول المثوبات ولذلك جعل { تجري من تحتهم الأنهار } بياناً له وتفسيراً لأن التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها . فهذه الهداية عبارة عن الفوائد الزوائد الحاصلة في الدنيا بعد الإيمان . قال القفال : فعلى هذا الوجه كان المعنى يهديهم ربهم بإيمانهم وتجري من تحتهم الأنهار إلا أنه حذف الواو وجعل قوله : { تجري } خبراً مستأنفاً منقطعاً عما قبله . والتحقيق في تقرير هذا الوجه أن العلم نور والجهل ظلمة والروح كاللوح والعلوم والعارف كالنقوش ولكن حالهم بالضد من النقوش الجسمانية ، فإن تزاحم النقوش الجسمانية يكدر اللوح وتوارد النقوش المعنوية وتكاثرها يزيد لوح الروح لمعاناً وإشراقاً حتى إنه يقوى بها على تحصيل المعارف الباقية بسهولة ، فليس فهم الرجل المنتهي للعلوم والحقائق كفهم المبتدئ ، فإن الإنسان إذا آمن بالله فقد أشرق روحه بنور المعرفة ، وإذا واظب على الأعمال الصالحة حصلت له ملكة التوجه إلى الآخرة والإعراض عن الدنيا ، ولا تزال تتزايد إشراقات هذه المعارف والملكات فيرتقي في معارجها لحظة فلحظة ، ولما كان لا نهاية لمراتب المعارف والأنوار العقلية فلا نهاية لمراتب هذه الهداية . وفي قوله : { يهديهم ربهم بإيمانهم } دليل لمن قال إن العلم بالمقدمتين لا يوجب العلم بالنتيجة ولكنهما يعدّان الذهن لحصول الفيض من الجواد المطلق . ومعنى { تجري من تحتهم الأنهار } أنهم يكونون في البساتين على مواضع مرتفعة كالسرر والأرائك والأنهار تجري من بين أيديهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.