السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ يَهۡدِيهِمۡ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمۡۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ} (9)

ولما شرح أحوال المنكرين الجاحدين ذكر تعالى شرح من يؤمن بها فقال : { إنَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات } والأعمال الصالحة عبارة عن الأعمال التي تحمل النفس على ترك الدنيا وطلب الآخرة ، والأعمال المذمومة مما يكون بالضدّ من ذلك . { يهديهم } أي : يرشدهم . { ربهم بإيمانهم } أي : بسبب إيمانهم إلى سلوك سبيل يؤدي إلى الجنة ، أو لما يريدونه في الجنة ، أو لإدراك الحقائق ، كما قال صلى الله عليه وسلم «من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم » . وقال مجاهد : المؤمنون يكون لهم نور يمشي بهم إلى الجنة . وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : «إنَّ المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة حسنة ، فيقول : أنا عملك . فيكون له نوراً وقائداً إلى الجنة ، والكافر إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة ، فيقول : أنا عملك ، فينطلق به حتى يدخله النار » . ومفهوم ترتبِ الهداية على الإيمان ، والعمل الصالح قد دلّ على أنّ سبب الهداية هو الإيمان والعمل الصالح ، لكن دل منطوق قوله جل وعلا : { بإيمانهم } [ يونس : 9 ] . على استقلال الإيمان بالسببية ، وأن العمل الصالح كالتتمة والرديف ، ثم إنه تعالى لما وصفهم بالإيمان والأعمال الصالحة ذكر بعد ذلك درجات كراماتهم ومراتب سعاداتهم ، وهي أربعة الأولى : قوله تعالى : { تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم } أي : يكونون جالسين على سرر مرفوعة في البساتين ، والأنهار تجري من بين أيديهم ، ينظرون إليها من أعالي أسرتهم وقصورهم ، ونظيره قوله تعالى : { قد جعل ربك تحتك سرياً } [ مريم : 24 ] فهي ما كانت قاعدة عليه ، ولكن المعنى : بين يديك ، وكذا قوله : { وهذه الأنهار تجري من تحتي } [ الزخرف : 51 ] ، أي : بين يدي فكذا هنا .