اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ يَهۡدِيهِمۡ رَبُّهُم بِإِيمَٰنِهِمۡۖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ} (9)

قوله تعالى : { إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } الآية .

لمَّا شرح أحوال المشركين ذكر أحوال المؤمنين ، قال القفال : { إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } أي : صدقُوا بقُلوبهم ، ثم حَقَّقُوا التَّصديقَ بالعمل الصَّالحِ الذي جاءت به الأنبياء من عند الله .

ثم ذكر بعد ذلك درجات كراماتهم فقال : { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } فقيل : يهديهم إلى الجنَّة ثواباً على إيمانهم وأعمالهم الصَّالحة ، ويدلُّ عليه قوله - تعالى - : { يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم } [ الحديد : 12 ] ، وما روي أنَّهُ - عليه الصلاة والسلام - قال : " إنَّ المُؤمِنَ إذا خرج مِنْ قَبْرِهِ صوِّرَ لَهُ عملهُ في صُورةٍ حسنةٍ ، فيقول لهُ : أنا عملك ، فيكون له نُوراً وقائداً إلى الجنَّةِ ، والكافر إذا خرج من قبرهِ صُوِّر لهُ عملهُ في صُورةٍ سيِّئةٍ ، فيقول له : أنا عملُكَ ، فينطلقُ به حتَّى يدخله النَّار " {[18324]} ، وقال مجاهد : المؤمنُ يكون له نُورٌ يَمْشِي به إلى الجنَّة{[18325]} . قال ابن الأنباري : إيمانهم يهديهم إلى خصائص المعرفة ، ولوامع من النُّور تشرقُ بها قُلوبُهم ، وتزول بواسطتها الشُّكُوك والشُّبهات ، كقوله - تعالى - : { والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] وهذه الفوائدُ يجوزُ حصولها في الدُّنيا قبل الموت ، ويجوز حصولها في الآخرة بعد الموت ؛ قال القفال : وإذا حملنا الآية على هذا الوجه ؛ كان المعنى : يهديهم ربُّهم بإيمانهم ، وتجري من تحتهم الأنهار ، إلاَّ أنَّه حذف الواو ، وقيل : " تَجْرِي من تَحْتِهمْ " مُستأنفا مُنقطعاً عمَّا قبله ، ويجوز أن يكون حالاً من مفعول " يهديهم " .

قوله تعالى : { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار } المراد : أن يكونوا جالسين على سُرُرٍ مرفوعة في البساتين ، والأنهار تجري من بين أيديهم ، كقوله : { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } [ مريم : 24 ] ، وهي ما كانت قاعدة عليه بل المعنى : بين يديك ، وكذا قوله : { وهذه الأنهار تَجْرِي مِن تحتيا } [ الزخرف : 51 ] أي : بين يدي ، وقيل : { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ } أي : بأمرهم .

قوله : " فِي جَنَّاتِ " يجوز أن يتعلَّق ب " تَجْري " ، وأن يكون حالاً من " الأَنْهَار " ، وأن يكون خبراً بعد خبر ل " إنَّ " ، وأن يكون متعلِّقا ب " يَهْدِي " .


[18324]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (6/534) عن قتادة مرسلا وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/538) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
[18325]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (6/534) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/538) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وذكره البغوي في "تفسيره" (2/245).