يخبر تعالى أن خبر يوسف وامرأة العزيز شاع في المدينة ، وهي مصر ، حتى تحدث الناس به ، { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ } مثل نساء الأمراء [ و ]{[15144]} الكبراء ، ينكرن على امرأة العزيز ، وهو الوزير ، ويعبن ذلك عليها : { امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ } أي : تحاول غلامها عن نفسه ، وتدعوه إلى نفسها ، { قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا } أي قد : وصل حبه إلى شغاف قلبها . وهو غلافه .
قال الضحاك عن ابن عباس : الشَّغَف : الحب القاتل ، والشَّغَف دون ذلك ، والشغاف : حجاب القلب .
{ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } أي : في صنيعها هذا من حبها فتاها ، ومراودتها إياه عن نفسه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ } .
يقول تعالى ذكره : وتحدّث النساء بأمر يوسف ، وأمر امرأة العزيز في مدينة مصر ، وشاع من أمرهما فيها ما كان ، فلم ينكتم ، وقلن : { امرأة العزيز تراود فتاها } : عبدها ، عن نفسه : كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : وشاع الحديث في القرية ، وتحدّث النساء بأمره وأمرها ، وقلن : { امْرأةُ العَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ } ، أي : عبدها .
وأما العزيز فإنه الملك في كلام العرب ، ومنه قول أبي دؤاد :
دُرّةٌ غاصَ عَلَيْها تاجِرٌ *** جُلِيَتْ عنْدَ عَزِيزٍ يَوْمَ طَلّ
يعني بالعزيز : الملك ، وهو من العزّة .
وقوله : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، يقول قد وصل حثّ يوسف إلى شغاف قلبها ، فدخل تحته حتى غلب على قلبها . وشغاف القلب : حجابه وغلافه الذي هو فيه ، وإياه عَنى النابغة الذبياني بقوله :
وَقَدْ حالَ هَمّ دُونَ ذلكَ داخِلٌ *** دُخُولَ شُغافٍ تَبْتَغِيهِ الأصَابِعُ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو بن دينار ، أنه سمع عكرمة يقول في قوله : { شَغَفَها حُبّا } ، قال : دخل حبه تحت الشغاف .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، قال : دخل حبه في شغافها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، قال : دخل حبه في شغافها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، قال : كان حبه في شغافها .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثل حديث الحسن بن محمد ، عن شبابة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثنا أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، يقول : علقها حبّا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، قال : غلبها .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه عن أيوب بن عائذ الطائي عن الشعبي : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، قال : المشغوف : المحبّ ، والمشعوف : المجنون .
وبه قال : حدثنا أبي ، عن أبي الأشهب ، عن أبي رجاء والحسن : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، قال : أحدهما : قد بطنها حبا ، وقال الاَخر : قد صدقها حبا .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، قال : قد بطنها حبّا . قال يعقوب : قال أبو بشر : أهل المدينة يقولون : قد بطنها حبّا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، قال : سمعته يقول في قوله : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، قال : بطنها حبّا . وأهل المدينة يقولون ذلك .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن قرة ، عن الحسن : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، قال : قد بطن بها حبّا .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا أبو قطن ، قال : حدثنا أبو الأشهب ، عن الحسن : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، قال : بطنها حبه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة . عن الحسن : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، قال : بطن بها .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، قال : استبطنها حبها إياه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، أي : قد علقها .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، قال : قد علقها حبّا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربيّ ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : هو الحبّ اللازق بالقلب .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك ، في قوله : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، يقول : هلكت عليه حبّا ، والشّغَاف : شَغاف القلب .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، قال : والشغاف : جلدة من على القلب ، يقال لها : لسان القلب ، يقول : دخل الحبّ الجلد حتى أصاب القلب .
وقد اختلفت القرأة في قراءة ذلك :
فقرأته عامة قرأة الأمصار بالغين : { قَدْ شَغَفَها } ، على معنى ما وصفت من التأويل .
وقرأ ذلك أبو رجاء : { قَدْ شَعَفَها } ، بالعين .
حدثنا الحسين بن محمد ، قال : حدثنا أبو قطن ، قال : حدثنا أبو الأشهب ، عن أبي رجاء : { قَدْ شَعَفَها } .
قال : حدثنا خلف ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي الأشهب ، أو عوف ، عن أبي رجاء : { قَدْ شَعَفَها حُبّا } ، بالعين .
قال : حدثنا خلف ، قال : حدثنا محبوب ، قال : قرأه عوف : { قَدْ شَعَفَها } .
قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن هارون ، عن أسيد ، عن الأعرج : { قَدْ شَعَفَها حُبّا } ، وقال : شعفها : إذا كان هو يحبها .
ووجّه هؤلاء معنى الكلام إلى أن الحبّ قد عمها .
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول : هو من قول القائل : " قد شُعِفَ بها " ، كأنه ذهب بها كلّ مذهب ، من شغف الجبال ، وهي رؤوسها .
ورُوي عن إبراهيم النخعي أنه قال : الشغف : شغف الحبّ . والشّعفَ : شَعَف الدابة حين تذعر .
حدثني بذلك الحارث ، عن القاسم ، أنه قال : يُروى ذلك عن أبي عوانة ، عن مغيرة عنه .
قال الحارث : قال القاسم ، يذهب إبراهيم إلى أنّ أصل الشغف : هو الذعر . قال : وكذلك هو كما قال إبراهيم في الأصل ، إلا أن العرب ربما استعارت الكلمة فوضعتها في غير موضعها قال امرؤ القيس :
أتَقْتُلِني وَقَدْ شَعَفْتُ فُؤَادَها *** كمَا شَعَفَ المَهْنُوءَةَ الرّجلُ الطّالي
قال : وشعف المرأة . من الحبّ ، وشعف المهنوءة من الذّعر ، فشبه لوعة الحبّ وجواه بذلك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال : ابن زيد ، في قوله : { قَدْ شَغَفَها حُبّا } ، قال : إن الشّغْف ، والشّعَف مختلفان ، والشعْف في البغض ، والشغْف في الحبّ . وهذا الذي قاله ابن زيد لا معنى له ، لأن الشعْف في كلام العرب بمعنى : عموم الحبّ ، أشهر من أن يجهله ذو علم بكلامهم .
قال أبو جعفر : والصواب في ذلك عندنا من القراءة : { قَدْ شَغَفَها } ، بالغين ؛ لإجماع الحجة من القرّاء عليه .
وقوله : { إنّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } ، قلن : إنا لنرى امرأة العزيز في مراودتها فتاها عن نفسه ، وغلبة حبه عليها لفي خطأ من الفعل ، وجور عن قصد السبيل مبين لمن تأمله وعلمه أنه ضلال وخطأ غير صواب ولا سداد . وإنما كان قيلهنّ ما قلن من ذلك ، وتحدّثهنّ بما تحدّثن به من شأنها وشأن يوسف مكرا منهنّ فيما ذكر لتريهنّ يوسف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.