فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَقَالَ نِسۡوَةٞ فِي ٱلۡمَدِينَةِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهِۦۖ قَدۡ شَغَفَهَا حُبًّاۖ إِنَّا لَنَرَىٰهَا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (30)

{ وقال نسوة } قرئ نسوة بضم النون قاله أبو البقاء وبكسرها والمراد جماعة من النساء ويجوز التذكير في الفعل المسند إليهن كما يجوز التأنيث ولا واحد له من لفظه بل من معناه وهو امرأة والنساء جمع كثرة أيضا ولا واحد له من لفظه قيل وكن خمسا وهن امرأة ساقي العزيز وامرأة خبازه وامرأة صاحب دوابه وامرأة صاحب سجنه وامرأة حاجبه { في المدينة } هي مصر وقيل مدينة الشمس .

{ امرأة العزيز } يعني زليخا { تراود فتاها } الفتى في كلام العرب الشاب الحديث السن والفتاة الشابة والمراد هنا غلامها يقال فتاي وفتاتي أي غلامي وجاريتي وجيء بالمضارع تنبيها على أن المراودة صارت مهنة لها وديدنا دون الماضي فلم يقلن راودت { عن نفسه } وهو يمتنع منها { قد شغفها حبا } أي غلبها حبه وقيل دخل حبه في شغافها قال أبو عبيدة : شغاف القلب غلافه وهو جلدة عليه ، وقيل هو وسط القلب .

وعلى هذا يكون المعنى دخل حبه إلى شغافها فغلب عليه وقرئ شغفها بالعين المهملة قال ابن الأعرابي : معناه أجرى حبه عليها قال الجوهري : شغفه الحب أحرق قلبه وقال أبو زيد : أمرضه وقال النحاس : معناه عند ذلك أهل اللغة قد ذهب بها كل مذهب لأن شغاف الجبال أعاليها وقد شغف بذلك شغفا بإسكان الغين المعجمة إذا ولع به .

وقرأ الحسن : قد شغفها بضم الغين وحكى بكسرها قال النحاس : ولا يعرف ذلك في كلام العرب إلا شغفا بفتح الغين ويقال أن الشغاف الجلدة اللاصقة بالكبد التي لا ترى وهي الجلدة البيضاء فكأنه لصق حبه بقلبها كلصوق الجلدة بالكبد وقيل المعنى أن حبه دخل الجلدة حتى أصاب القلب وقيل أن حبه قد أحاط بقلبها كإحاطة الشغاف بالقلب . قال الكلبي : حجب حبه قلبها حتى صارت لا تتعقل شيئا سواه .

وقال السمين : خرق الشغاف قلبها أي حجاب القلب وهو جلدة رقيقة وقيل سويداء القلب ، وقيل داء يصل إلى القلب من أجل الحب وقيل جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب ليس محيطة به ، والمعنى خرق حجابه وأصابه فأحرقه بحرارة الحب ، يقال شغف الهوى قلبه شغفا وشغفه المال زين له فأحبه فهو مشغوف به .

وعن ابن عباس : شغفها وقال قتلها حب يوسف وقال قد علقها قال آزاد في سبحة المرجان : ولا استبعاد في إظهار العشق من جانب المرأة أما ترى في القرآن الكريم غرام امرأة العزيز بيوسف عليه السلام والأهاند يذكرون العشق في تغزلاتهم من جانب المرأة بالنسبة إلى الرجل خلاف العرب ، وسببه أن المرأة في دينهم لا تنكح إلا زوجا واحدا فحظ عيشتها منوط بحياة الزوج وإذا مات تحرق نفسها معه ، والعشق بين الرجل والمرأة وضع إلهي فتارة يكون من الطرفين وتارة يكون من أحدهما وإذا لوحظ الوضع الإلهي فالمرأة معشوقة عاشقة والرجل عاشق معشوق .

وأهل الهند{[965]} وافقوا العرب في التغزل بالنساء بخلاف الفرس والترك فإن تغزلهم بالأمارد فقط ولا ذكر من المرأة في غزلهم ، ولعمر المحبة أنهم لظالمون حيث يضعون الشيء في غير موضعه كما قال سبحانه وتعالى في قوم لوط { فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد } .

والعرب في التغزل بالأمارد مقلدون لهم والأصل فيهم التغزل بالنساء ومعناه التحدث بهن وأما الأهاند فلا يعرفون التغزل بالأمارد قطعا انتهى . وهذا وقد عقد رحمة الله الفصل الرابع من كتابه المذكور في بيان أقسام المعشوقات والعشاق وأورد لكل قسم منهم أشعارا عجيبة وأبياتا غريبة . باعتبار الجهات المتنوعة والحيثيات المتلونة إن رآها السالي تذوب طبيعته الجامدة أو العاذل تشعل ناره الخامدة .

{ إنا لنراها } جملة مقررة لمضمون ما قبلها أي نعلمها في فعلها هذا وهو المراودة لفتاها { في ضلال } عن طريق الرشد والصواب { مبين } واضح لا يلتبس على من نظر فيه حيث تركت ما يجب على أمثالها من العفاف والستر .


[965]:هذا الكلام ينبغي أن تنزه كتب التفسير منه وقد تركناه للمحافظة على أسلوب المفسر وعباراته أ هـ مصححه.