تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَمَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَمَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (64)

أي : هو الذي بقدرته وسلطانه يبدأ{[22129]} الخلق ثم يعيده ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ } [ البروج : 12 ، 13 ] ، وقال { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] .

{ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ } أي : بما ينزل من مطر السماء ، وينبت من بركات الأرض ، كما قال : { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ . وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ } [ الطارق : 11 ، 12 ] ، وقال { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } [ الحديد : 4 ] ، فهو ، تبارك وتعالى ، ينزل من السماء ماء مباركًا فيسكنه في الأرض ، ثم يخرج به [ منها ]{[22130]} أنواع الزروع والثمار والأزاهير ، وغير ذلك من ألوان شتى ، { كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأولِي النُّهَى } [ طه : 54 ] ؛ ولهذا قال : { أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ } أي : فعل هذا . وعلى القول الآخر : يعبد ؟ { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ } على صحة ما تدعونه{[22131]} من عبادة آلهة أخرى ، { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } في ذلك ، وقد علم أنه لا حجة لهم ولا برهان ، كما قال [ الله ] :{[22132]} { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } [ المؤمنون : 117 ] .


[22129]:- في ف ، أ : "بدأ".
[22130]:- زيادة من ف.
[22131]:- في أ : "من يدعونه".
[22132]:- زيادة من أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَمَّن يَبۡدَؤُاْ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَمَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (64)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَمّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مّنَ السّمَآءِ والأرْضِ أَإِلََهٌ مّعَ اللّهِ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } .

يقول تعالى ذكره : أم ما تشركون أيها القوم خير ، أم الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ، فينشئه من غير أصل ، ويبتدعه ثم يفنيه إذا شاء ، ثم يعيده إذا أراد كهيئته قبل أن يفنيه ، والذي يرزقكم من السماء والأرض فينزل من هذه الغيث ، وينبت من هذه النبات لأقواتكم ، وأقوات أنعامكم أءِلَهٌ مَعَ اللّهِ سوى الله يفعل ذلك ؟ وإن زعموا أن إلها غير الله يفعل ذلك أو شيئا منه فَقُلْ لهم يا محمد هاتُوا بَرْهانَكُمْ : أي حجتكم على أن شيئا سوى الله يفعل ذلك إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ في دعواكم . و«من » التي في «أمّنْ » و«ما » مبتدأ في قوله : أما يشركون ، والاَيات بعدها إلى قوله : { وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السّماءِ والأرْضِ } بمعنى «الذي » ، لا بمعنى الاستفهام ، وذلك أن الاستفهام لا يدخل على الاستفهام .