تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَلَٰكِن ذِكۡرَىٰ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (69)

وقوله : { وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } أي : إذا تجنبوهم فلم يجلسوا معهم في ذلك ، فقد برئوا من عهدتهم ، وتخلصوا من إثمهم .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشَجّ ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن السُّدِّي ، عن أبي مالك وسعيد بن جُبَيْر ، قوله : { وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } قال : ما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك ، أي : إذا تجنبتهم وأعرضت عنهم .

وقال آخرون : بل معناه : وإن جلسوا معهم ، فليس عليهم من حسابهم من شيء . وزعموا أن هذا منسوخ بآية النساء المدنية ، وهي قوله : { إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ } [ النساء : 140 ] . قاله مجاهد ، والسُّدِّي ، وابن جُرَيْج ، وغيرهم . وعلى قولهم ، يكون قوله : { وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي : ولكن أمرناكم{[10831]} بالإعراض عنهم حينئذ تذكيرا لهم عما هم فيه ؛ لعلهم يتقون ذلك ، ولا يعودون إليه .


[10831]:في أ: "أمرناهم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَلَٰكِن ذِكۡرَىٰ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (69)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا عَلَى الّذِينَ يَتّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْءٍ وَلََكِن ذِكْرَىَ لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : ومن اتقى الله فخافه فأطاعه فيما أمره به واجتنب ما نهاه عنه ، فليس عليه بترك الإعراض عن هؤلاء الخائضين في آيات الله في حال خوضهم في آيات الله شيء من تبعه فيما بينه وبين الله ، إذا لم يكن تركه الإعراض عنهم رضا بما هم فيه وكان الله بحقوقه متقيا ، ولا عليه من إثمهم بذلك حرج ، ولكن لِيُعْرِضوا عنهم حينئذ . ذِكْرَى لأمر الله . لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ يقول : ليتقوا . ومعنى الذكرى : الذكرُ ، والذكر والذكرى بمعنى وقد يجوز أن يكون ذكرى في موضع ورفع فأما النصب فعلى ما وصفت من تأويل : ولكن ليعرضوا عنهم ذكري وأما الرفع فعلى تأويل : وما على الذين يتقون من حسابهم شيء بترك الإعراض ، ولكن إعراضهم ذكرى لأمر الله لعلهم يتقون . وقد ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالقيام عن المشركين إذا خاضوا في آيات الله ، لأنه قيامه عنهم كان مما يكرهونه ، فقال الله له : إذا خاضوا في آيات الله فقم عنهم ليتقوا الخوض فيها ويتركوا ذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عنا بن جريج ، قال : كان المشركون يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحبون أن يسمعوا منه ، فإذا سمعوا استهزءوا ، فنزلت : وإذَا رأيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا فأَعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غيرِهِ . . . الاَية ، قال : فجعل إذا استتهزءوا قام فحذروا وقالوا : لا تستهزءوا فيقوم فذلك قوله : لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ أن يخوضوا فيقوم . ونزل : وَمَا عَلَى الّذِينَ يَتّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ إن قعدوا معهم ، ولمن لا تقعدوا . ثم نسخ ذلك قوله بالمدينة : وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أنْ إذَا سَمِعْتُمْ آياتِ اللّهِ يُكْفَرُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حتى يَخُوضُوا فِي حَديثٍ غيرِهِ إنّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ ، فنسخ قوله : وَمَا عَلَى الّذِينَ يَتّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ . . . الاَية .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : وَمَا عَلَى الّذِينَ يَتّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقوله : من حساب الكفار من شيء . وَلَكِنْ ذِكْرَى يقول : إذا ذكرتُ فقم . لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ مساءتكم إذا رأوكم لا تجالسونهم ، استحيوا منكم فكفوا عنكم . ثم نسخها الله بعد ، فنهاهم أن يجلسوا معهم أبدا ، قال : وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أنْ إذَا سَمِعْتُمْ آياتِ اللّهِ يُكْفَرُ بِها . . . الاَية .

حدثني محمد بن عروة ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَمَا عَلَى الّذِينَ يَتّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ إن قعدوا ، ولكن لا تقعد .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك : وَمَا عَلَى الّذِينَ يَتّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى قال : وما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك .