فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَلَٰكِن ذِكۡرَىٰ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (69)

قوله : { وَمَا عَلَى الذين يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم من شَيء } أي ما على الذين يتقون مجالسة الكفار عند خوضهم في آيات الله من حساب الكفار من شيء . وقيل المعنى : ما على الذين يتقون ما يقع منهم من الخوض في آيات الله في مجالستهم لهم من شيء ، وعلى هذا التفسير ففي الآية الترخيص للمتقين من المؤمنين في مجالسة الكفار إذا اضطروا إلى ذلك كما سيأتي عند ذكر السبب . قيل : وهذا الترخيص كان في أوّل الإسلام ، وكان الوقت وقت تقية ، ثم نزل قوله تعالى : { وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْكُمْ فِي الكتاب أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيات الله يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حتى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِه } فنسخ ذلك ، قوله : { ولكن ذكرى لَعَلَّهُمْ } " ذكرى " في موضع نصب على المصدر ، أو رفع على أنها مبتدأ ، وخبرها محذوف ، أي ولكن عليهم ذكرى . وقال الكسائي : المعنى ولكن هذه ذكرى ، والمعنى على الاستدراك من النفي السابق : أي ولكن عليهم الذكرى للكافرين بالموعظة والبيان لهم بأن ذلك لا يجوز . أما على التفسير الأوّل : فلأن مجرد اتقاء مجالس هؤلاء الذين يخوضون في آيات الله لا يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وأما على التفسير الثاني : فالترخيص في المجالسة لا يسقط التذكير { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الخوض في آيات الله إذا وقعت منكم الذكرى لهم . وأما جعل الضمير للمتقين فبعيد جدّاً .

/خ73