فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَلَٰكِن ذِكۡرَىٰ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (69)

وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون 69 } .

{ وما على الذين يتقون } مجالسة الكفار عند خوضهم في آيات الله { من حسابهم } أي الكفار { من شيء } وقيل المعنى ما على الذين يتقون ما يقع منهم من الخوض في آيات الله في مجالستهم لهم من شيء ، وعلى هذا التفسير ففي الآية الترخيص للمتقين في مجالسة الكفار إذا اضطروا إلى ذلك .

قيل : هذا الترخيص كان في أول الإسلام ، وإن الوقت وقت تقية ثم نزل قوله تعالى : { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره } فنسخ ذلك ، والحق أنها محكمة بإجماع أهل العلم خلافا للكلبي كما تقدم في سورة النساء .

عن عمر بن عبد العزيز : أنه أتي بقوم قعدوا على شراب معهم رجل صائم فضربه وقال : لا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره وقيل مجالستهم مباحة بشرط الوعظ والنهي عن المنكر .

{ ولكن ذكرى } قال الكسائي : المعنى ولكن هذه ذكرى ، والمعنى على الاستدراك من النفي السابق أي ولكن عليهم الذكرى للكافرين بالموعظة والبيان لهم بأن ذلك لا يجوز ، أما على التفسير الأول فلأن مجرد اتقاء مجالس هؤلاء الذين يخوضون في آيات الله لا يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأما على التفسير الثاني فالترخيص في المجالسة لا يسقط التذكير ، وفيه وجوه أخرى .

{ لعلهم يتقون } الخوض في آيات الله إذا وقعت منكم الذكرى لهم ، وأما جعل الضمير للمتقين فبعيد جدا .