الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَلَٰكِن ذِكۡرَىٰ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (69)

قوله سبحانه : { وَمَا عَلَى الذين يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْء }[ الأنعام :69 ] . روي أنه لما نزلَتْ : { فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ } [ النساء : 140 ] قال المؤمنون إذا كنا لا نقْرَبُ المشركين ، ولا نسمع أقوالهم ، فلا يمكننا طَوَافٌ ، ولا قضاءُ عبادةٍ في الحرمِ ، فنزلَتْ لذلك : { وَمَا عَلَى الذين يَتَّقُونَ . . . } .

قال ( ع ) : فالإباحة في هذا هي في القَدْر الذي يحتاجُ إلَيْه من التصرُّف بَيْن المشركين في عبادةٍ ، ونحوها ، وقيل : إن هذه الآية الأخيرةَ ليْسَتْ إباحة بوجه ، وإنما معناها : لا تَقْعُدوا معهم ، ولا تَقْرَبوهم حتى تسمعوا استهزاءهم وخوضهم ، وليس نهيكم عن القعود ، لأنَّ عليكم شيئاً من حسابهم ، وإنما هو ذكرى لكم ، ويحتملُ المعنى : ولكنْ ذكرى لعلَّهم إذا جانبتموهم ، يتقون بالإمساكِ عن الاستهزاءِ ، ويحتملُ المعنى : ولكن ذكِّروهم ذكرى ، وينبغي للمؤمن أنْ يمتثل حكم هذه الآية مع المُلْحِدِين ، وأهْلِ الجدلِ والخَوْضِ فيه ، وحكى الطبريُّ ، عن أبي جعفر ، أنه قال : " لاَ تُجَالِسُوا أَهْلَ الخُصُومَاتِ ، فإنَّهُمْ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ " ، وفي الحديث ، عنه صلى الله عليه وسلم : ( أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ ، وَإنْ كَانَ مُحِقًّا ، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ ، وإنْ كَانَ مَازِحاً ، وبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقه ) ، خَرَّجه أبو داود ، انتهى من «الكوكب الدري » ، وقد ذكرنا هذا الحديثَ من غير طريقِ أبي داود بلفظ أوضَحَ من هذا .