تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَٰهُ بَيۡنَهُمۡ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورٗا} (50)

وقوله : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا } أي : أمطرنا هذه الأرض دون هذه ، وسقنا السحاب فمر على الأرض وتعداها وجاوزها إلى الأرض الأخرى ، [ فأمطرتها وكفتها فجعلتها عذقا ، والتي وراءها ]{[21550]} لم ينزل فيها قطرة من ماء ، وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة .

قال ابن مسعود وابن عباس : ليس عام بأكثر مطرًا من عام ، ولكن الله يصرفه كيف يشاء ، ثم قرأ هذه الآية : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا } .

أي : ليذكروا بإحياء الله الأرض الميتة أنه قادر على إحياء الأموات{[21551]} . والعظام الرفات . أو : ليذكر من منع القَطْر أنما أصابه ذلك بذنب أصابه ، فيقلع عما هو فيه .

وقال عُمَر مولى غُفْرَة{[21552]} : كان جبريل ، عليه السلام ، في موضع الجنائز ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا جبريل ، إني أحب أن أعلم أمْرَ السحاب ؟ " قال : فقال جبريل : يا نبي الله ، هذا ملك السحاب فسله . فقال : تأتينا صَكاك مُخَتَّمة : اسق بلاد كذا وكذا ، كذا وكذا قطرة . رواه ابن حاتم ، وهو حديث مرسل .

وقوله : { فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا } : قال عكرمة : يعني : الذين{[21553]} يقولون : مطرنا بنَوء كذا وكذا .

وهذا الذي قاله عكرمة كما صح في الحديث المخرج في صحيح مسلم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه يوماً ، على أثر سماء أصابتهم من الليل : " أتدرون ماذا قال ربكم " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب . وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فذاك كافر بي ، مؤمن بالكوكب " {[21554]} .


[21550]:- زيادة من ف ، أ.
[21551]:- في ف ، أ : "الموتى".
[21552]:- في ف ، أ : "عقبة".
[21553]:- في أ : "الذي".
[21554]:- صحيح مسلم برقم (71) من حديث زيد بن خالد الجهني.