البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَٰهُ بَيۡنَهُمۡ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورٗا} (50)

والضمير في { صرفناه } عائد على الماء المنزل من السماء ، أي جعلنا إنزال الماء تذكرة بأن يصرفه عن بعض المواضع إلى بعض وهو في كل عام بمقدار واحد قاله الجمهور منهم ابن مسعود وابن عباس ومجاهد ، فعلى هذا التأويل { إلا كفوراً } هو قولهم بالأنواء والكواكب قاله عكرمة .

وقيل { كفوراً } على الإطلاق لما تركوا التذكر .

وقال ابن عباس أيضاً : عائد على القرآن وإن لم يتقدم له ذكر لوضوح الأمر ويعضده { وجاهدهم به } لتوافق الضمائر ، وعلى أنه للمطر يكون به للقرآن .

وقال أبو مسلم : راجع إلى المطر والرياح والسحاب وسائر ما ذكر فيه من الأدلة .

وقال الزمخشري : صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب والصحف التي أنزلت على الرسل ، وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال المطر ليتفكروا ويعتبروا ويعرفوا حق النعمة فيه ويشكروا ، فأبى أكثرهم إلا كفران النعمة وجحودها وقلة الأكتراث بها .

وقيل : صرّفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة وعلى الصفات المتفاوتة من وابل وطل وجود ورذاذ وديمة ورهام فأبوا إلا الكفور .

وأن يقولوا مطرنا بنوء كذا ولا يذكروا رحمته وصنعته .

وعن ابن عباس : ما من عام أقل مطراً من عام ، ولكن الله قسم ذلك بين عباده على ما يشاء وتلا هذه الآية .

ويروى أن الملائكة يعرفون عدد المطر ومقداره في كل عام لأنه لا يختلف ، ولكن يختلف في البلاد وينتزع من ههنا جواب في تنكير البلدة والأنعام والأناسي كأنه قال : ليحيي به بعض البلاد الميتة ، ونسقيه بعض الأنعام والأناسي وذلك البعض كثير انتهى .

وقرأ عكرمة { صرَفناه } بتخفيف الراء .