قوله تعالى : «وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ » في هذه الهاء ثلاثة أوجه :
أحدها : قال الجمهور : إنها ترجع إلى المطر ، ثم هؤلاء قال بعضهم : ( المعنى صرفنا نزول الماء من وابل ، وطل وجود وطشّ ، ورذاذ ، وغير ذلك{[36371]} .
وقال بعضهم ){[36372]} : «صَرَّفْنَاهُ » أي : أجريناه في الأنهار حتى انتفعوا بالشرب وبالزراعات{[36373]} وأنواع المعاش به . وقال آخرون : معناه : أنه تعالى ينزله في مكان ( دون مكان ) {[36374]} في عام ثم في العام الثاني يقع بخلاف ما وقع في العام الأول ، قال ابن عباس : ما عام بأكثر من عام ، ولكن الله يصرفه في الأرض . ثم قرأ هذه الآية .
وروى ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : «ما من عام بأمطر من عام ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم فإذا عصوا جميعاً صرف الله ذلك إلى الفيافي » .
الثاني : قال أبو مسلم : الضمير راجع إلى المطر والسحاب والإظلال وسائر ما ذكره الله من الأدلة .
الثالث : أي{[36375]} هذا القول صرفناه بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب والصحف التي أنزلت على الرسل ، وهو ذكر إنشاء{[36376]} السحاب ، وإنزال المطر ليتفكروا ويستدلوا به على الصانع{[36377]} .
وقرأ عكرمة : «صَرَفْنَاهُ » بتخفيف{[36378]} الراء{[36379]} . وقيل : التصريف راجع إلى الريح .
«ليذكروا » ويتفكروا في قدرة الله تعالى { فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً } جحوداً ، وكفرانهم هو أنهم إذا أمطروا قالوا : أُمْطرنا بنوء كذا ، روى زيد بن خالد الجهني{[36380]} قال : «صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : «هل تدرون ما قال ربكم » قالوا : الله ورسوله أعلم «قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال : مُطِرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي وكافر بالكواكب ، وأما من قال : مُطِرْنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب »{[36381]} .
قال الجبائي : قوله : «لِيَذَّكَّرُوا » يدل على أنه تعالى يريد من الكل أن يذكروا ويشكروا ، ولو أراد أن يكفروا أو يعرضوا لما صح ذلك ، وذلك يبطل قول من قال : إن الله مريد لكفر من يكفر قال : ودلَّ{[36382]} قوله : { فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً } على قدرتهم على فعل هذا التذكر ؛ إذ لو لم يقدروا لما جاز أن يقال : أبوا أن يفعلوه ، كما لا يقال في الزمن أبى أن يسعى{[36383]} .
وقال الكعبي : قوله : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ } ( حجة على من زعم أن القرآن وبال على الكافرين ، وأنه لم يرد بإنزاله أن يؤمنوا ، لأن قوله : «ليذَّكَّروا »{[36384]} عامّ في الكل ، وقوله تعالى : { أَكْثَرُ الناس } يقتضي أن يكون هذا{[36385]} الأكثر داخلاً في ذلك العام ، لأنه لا يجوز أن يقال أنزلناه على قريش ليؤمنوا فأبى أكثر بني تميم إلا كفوراً . والجواب قد تقدم مراراً{[36386]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.