اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَٰهُ بَيۡنَهُمۡ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورٗا} (50)

قوله تعالى : «وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ » في هذه الهاء ثلاثة أوجه :

أحدها : قال الجمهور : إنها ترجع إلى المطر ، ثم هؤلاء قال بعضهم : ( المعنى صرفنا نزول الماء من وابل ، وطل وجود وطشّ ، ورذاذ ، وغير ذلك{[36371]} .

وقال بعضهم ){[36372]} : «صَرَّفْنَاهُ » أي : أجريناه في الأنهار حتى انتفعوا بالشرب وبالزراعات{[36373]} وأنواع المعاش به . وقال آخرون : معناه : أنه تعالى ينزله في مكان ( دون مكان ) {[36374]} في عام ثم في العام الثاني يقع بخلاف ما وقع في العام الأول ، قال ابن عباس : ما عام بأكثر من عام ، ولكن الله يصرفه في الأرض . ثم قرأ هذه الآية .

وروى ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : «ما من عام بأمطر من عام ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم فإذا عصوا جميعاً صرف الله ذلك إلى الفيافي » .

الثاني : قال أبو مسلم : الضمير راجع إلى المطر والسحاب والإظلال وسائر ما ذكره الله من الأدلة .

الثالث : أي{[36375]} هذا القول صرفناه بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب والصحف التي أنزلت على الرسل ، وهو ذكر إنشاء{[36376]} السحاب ، وإنزال المطر ليتفكروا ويستدلوا به على الصانع{[36377]} .

وقرأ عكرمة : «صَرَفْنَاهُ » بتخفيف{[36378]} الراء{[36379]} . وقيل : التصريف راجع إلى الريح .

«ليذكروا » ويتفكروا في قدرة الله تعالى { فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً } جحوداً ، وكفرانهم هو أنهم إذا أمطروا قالوا : أُمْطرنا بنوء كذا ، روى زيد بن خالد الجهني{[36380]} قال : «صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : «هل تدرون ما قال ربكم » قالوا : الله ورسوله أعلم «قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال : مُطِرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي وكافر بالكواكب ، وأما من قال : مُطِرْنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب »{[36381]} .

فصل

قال الجبائي : قوله : «لِيَذَّكَّرُوا » يدل على أنه تعالى يريد من الكل أن يذكروا ويشكروا ، ولو أراد أن يكفروا أو يعرضوا لما صح ذلك ، وذلك يبطل قول من قال : إن الله مريد لكفر من يكفر قال : ودلَّ{[36382]} قوله : { فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً } على قدرتهم على فعل هذا التذكر ؛ إذ لو لم يقدروا لما جاز أن يقال : أبوا أن يفعلوه ، كما لا يقال في الزمن أبى أن يسعى{[36383]} .

وقال الكعبي : قوله : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ } ( حجة على من زعم أن القرآن وبال على الكافرين ، وأنه لم يرد بإنزاله أن يؤمنوا ، لأن قوله : «ليذَّكَّروا »{[36384]} عامّ في الكل ، وقوله تعالى : { أَكْثَرُ الناس } يقتضي أن يكون هذا{[36385]} الأكثر داخلاً في ذلك العام ، لأنه لا يجوز أن يقال أنزلناه على قريش ليؤمنوا فأبى أكثر بني تميم إلا كفوراً . والجواب قد تقدم مراراً{[36386]} .


[36371]:انظر الكشاف 3/100.
[36372]:ما بين القوسين سقط من الأصل.
[36373]:في ب: وبالزراعات وغير ذلك.
[36374]:دون مكان: سقط من ب.
[36375]:في ب: أن.
[36376]:في ب: إفشاء.
[36377]:قال ابن الخطيب: والوجه الأول أقرب، لأنه أقرب المذكورات إلى الضمير. انظر الفخر الرازي 24/98 – 99.
[36378]:في ب: بتضعيف. وهو تحريف.
[36379]:انظر تفسير ابن عطية 11/50، البحر المحيط 6/506.
[36380]:زيد بن خالد الجهني أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو طلحة المدني، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عثمان، وأبي طلحة، وعائشة، وعنه ابناه خالد وأبو حرب ومولاه أبو عمرة وغيرهم، مات سنة 78 هـ. تهذيب التهذيب 3/410 – 411.
[36381]:أخرجه أبو داود (طب) 4/227 – 228، ومالك في الموطأ (استسقاء) 1/192.
[36382]:في ب: ويدل.
[36383]:انظر الفخر الرازي 24/99.
[36384]:ما بين القوسين سقط من ب.
[36385]:هذا: سقط من ب.
[36386]:انظر الفخر الرازي 24/99.