فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَٰهُ بَيۡنَهُمۡ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورٗا} (50)

{ وَلَقَدْ صرفناه بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ } ضمير { صرفناه } ذهب الجمهور إلى أنه راجع إلى ما ذكر من الدلائل : أي كرّرنا أحوال الإظلال ، وذكر إنشاء السحاب ، وإنزال المطر في القرآن ، وفي سائر الكتب السماوية ، ليتفكروا ويعتبروا { فأبى أَكْثَرُ النّاس } هم إلاّ كفران النعمة وجحدها . وقال آخرون : إنه يرجع إلى أقرب المذكورات وهو المطر : أي صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة ، فنزيد منه في بعض البلدان ، وننقص في بعض آخر منها ، وقيل الضمير راجع إلى القرآن ، وقد جرى ذكره في أوّل السورة حيث قال : { تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ } [ الفرقان : 1 ] ، وقوله : { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذكر بَعْدَ إِذْ جَاءنِي } [ الفرقان : 29 ] ، وقوله : { اتخذوا هذا القرءان مَهْجُوراً } [ الفرقان : 30 ] والمعنى : ولقد كرّرنا هذا القرآن بإنزال آياته بين الناس ؛ ليذكروا به ، ويعتبروا بما فيه ، فأبى أكثرهم { إِلاَّ كُفُورًا } به ، وقيل هو راجع إلى الريح ، وعلى رجوع الضمير إلى المطر ؛ فقد اختلف في معناه ، فقيل ما ذكرناه . وقيل صرفناه بينهم وابلاً وطشاً وطلاً ورذاذاً ، وقيل تصريفه تنويع الانتفاع به في الشرب ، والسقي والزراعات به والطهارات . قال عكرمة : إن المراد بقوله { فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُورًا } هو قولهم : في الأنواء مطرنا بنوء كذا . قال النحاس : ولا نعلم بين أهل التفسير اختلافاً أن الكفر هنا قولهم : مطرنا بنوء كذا . وقرأ عكرمة { صرفناه } مخففاً ، وقرأ الباقون بالتثقيل . وقرأ حمزة ، والكسائي : { ليذكروا } مخففة الذال من الذكر ، وقرأ الباقون بالتثقيل من التذكر .

/خ54