فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَٰهُ بَيۡنَهُمۡ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورٗا} (50)

{ ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا50 }

واستيقنوا وتحققوا أنا صرفنا المطر الطهور المبارك بين العباد ) . . فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء . . ( {[2601]} ) . . فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون . وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين( {[2602]} ) وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته . . . ( {[2603]} فقليل من يشكر وأكثر الناس يجحد ويكفر ، قال النحاس : ولا نعلم بين أهل التفسير اختلافا أن الكفر ها هنا قولهم : مطرنا بنوء كذا وكذا ، وأن نظيره : فعل النجم كذا ، وأن كل من نسب إليه فعلا فهو كافر{[2604]} . اه .

أقول : والزعم أن الأسباب تؤثر بذواتها دون جاعلها ومسببها-تبارك وتعالى- إنما هو من اتخاذ الأنداد ، بل جحود بالله الفعال لما أراد .

روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن زيد بن خالد الجهني قال : صلى لنا- أي صلى إماما لنا- رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء- في أعقاب مطر ، ويسمى سماء لنزوله من جهتها-كانت من الليلة فلما انصرف أقبل على الناس فقال : " هل تدرون ماذا قال ربكم " ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء{[2605]}كذا وكذا فذلك كافر مؤمن بالكوكب " ، صحيح أن الله سبحانه جعل نزول المطر مترتبا- في أكثر الأحيان- على تقلبات فلكية . وتأثيرات كوكبية ، لكن خلقه ونزوله بقدرة الله تعالى ومشيئته ، والأنواء وتأثيرها في حصول الأمطار لا يعدو أن يكون سببا يعمله الله جل جلاله متى شاء ، ويبطل عمله حيث يشاء ، والله الفعال لما يريد قادر على إنشاء الأشياء بلا أسباب بل وبلا مواد ، كما أنشأ النفوس والأسباب والمواد .

وأعاد بعضهم الضمير في قوله تعالى{ صرفناه }على القرآن الكريم ، فيكون المعنى عندهم : ولقد بينا آيات القرآن بينهم ليتدبروا ويعتبروا ويزدجروا بما فيها من هدى ورشد ووعد ووعيد فامتنعوا ، ولم يكن منهم إلا الإعراض والكفران ، والتكذيب والنكران .


[2601]:سورة النور.من الآية 43.
[2602]:سورة الروم.من الآية 48،والآية 49.
[2603]:سورة الشورى.من الآية 28.
[2604]:أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن ج 13 ص57.
[2605]:يطلق ويراد ما حدث من تقلبات جوية كتراكم السحب.