السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَٰهُ بَيۡنَهُمۡ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورٗا} (50)

واختلف في عود الهاء في قوله تعالى :{ ولقد صرفناه بينهم } على ثلاثة أوجه :

أولها : قال الجمهور : إنها ترجع إلى المطر أي : صرفنا نزول الماء من وابل وطل وغير ذلك مرة ببلد ومرة ببلدة أخرى ، قال ابن عباس : ما عام بأمطر من عام آخر ، ولكن الله تعالى يصرفه في الأرض ، وقرأ هذه الآية وهذا كما روي مرفوعاً «ما من ساعة من ليل أو نهار إلا والسماء تمطر فيها فيصرفه الله تعالى حيث يشاء » ، وروي عن ابن مسعود يرفعه قال : «ليس من سنة بأمطر من أخرى ولكن الله تعالى قسم هذه الأرزاق فجعلها في السماء في هذا القطر ينزل منه كل سنة بكيل معلوم ووزن معلوم ، وإذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم ، فإذا عصوا جميعاً صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار » ، وروي أن الملائكة يعرفون عدد المطر مقداره في كل عام لأنه لا يختلف ولكن تختلف فيه البلاد .

ثانيها : قال أبو مسلم : الضمير راجع إلى المطر والسحاب والظلال ، وسائر ما ذكره الله من الأدلة .

ثالثها : صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب والصحف التي أنزلت على الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال المطر { ليذكروا } أي : ليتفكروا ويعملوا كمال القدرة وحق النعمة ، ويقوموا بشكره .

تنبيه : أصل يذكروا يتذكروا أدغمت التاء في الذال وقرأ حمزة والكسائي بسكون الذال ورفع الكاف مخففة ، والباقون بفتح الذال والكاف مشددتين { فأبى } أي : لم يرد { أكثر الناس } أي : بعبادتهم { إلا كفوراً } أي : جحوداً للنعمة وقلة الاكتراث بها وكفرانهم هو أنهم إذا مطروا قالوا : مطرنا بنوء كذا وهو بفتح النون وهمزة آخره وقت النجم الفلاني على عادة العرب في إضافة المطر إلى الأنواء فيكره أن يقول ذلك لإيهامه أن النوء فاعل المطر حقيقة ، فإن اعتقد أنه الفاعل له حقيقة كفر ، روى زيد بن خالد الجهني قال : «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال : هل تدرون ماذا قال ربكم الليلة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : قال أصبح من عبادي من هو مؤمن بي وكافر بي ، فأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب ، وأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي وكافر بالكواكب » ، وأفاد تعليق الحكم بالباء أنه لو قال : مطرنا في نوء كذا لم يكره ، ونقل الشافعي عن بعض الصحابة أنه كان يقول عند المطر : مطرنا بنوء الفتح ، ثم يقرأ : { ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها } ( فاطر ، 2 ) .