فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَٰهُ بَيۡنَهُمۡ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ إِلَّا كُفُورٗا} (50)

{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا } أي كررنا أحوال الإضلال . وذكر إنشاء السحاب ، وإنزال المطر في القرآن ، وفي سائر الكتب السماوية ، ليتفكروا أو يعتبروا ، وقرئ صرفناه مثقلا ومخففا ، وكذا ليذكروا مخففة من الذكر ، ومثقلة من التذكر ، وقيل ضمير صرفناه يرجع إلى أقرب المذكورات وهو المطر أي صرفنا المطر بينهم ، في البلدان المختلفة . والأوقات المتغايرة ، وعلى الصفات المتفاوتة من وابل وطش وطل وجود ورذاذ . وديمة فنزيد منه في بعض البلدان ، وننقص في بعض آخر منها .

وقيل : الضمير راجع إلى القرآن ، وقد جرى ذكره في أول السورة حيث قال { تبارك الذي نزل الفرقان على بعده } وقوله { لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني } وقوله : { اتخذوا هذا القرآن مهجورا } والمعنى ولقد كررنا هذا القرآن بإنزال آياته بين الناس ، ليذكروا به ، ويعتبروا بما فيه ، وقيل هو راجع إلى الريح ، وعلى رجوع الضمير إلى المطر . فقد اختلف في معناه فقيل ما ذكرناه وقيل تصريفه تنويع الانتفاع به ، في الشرب والسقي . والزراعات ، والطهارات عن ابن عباس قال : ما من عام بأقل مطرا من عام ، ولكن الله يصرفه حيث يشاء ثم قرأ هذه الآية .

{ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا } أي كفران النعمة وجحودها وقلة الاكتراث لها قال عكرمة : إن المراد هو قولهم في الأفواه : مطرنا بنوء كذا ، قال النحاس : ولا نعلم بين أهل التفسير اختلافا أن الكفر هنا قولهم مطرنا بنوء كذا ، والنوء كما في المختار سقوط نجم من المنازل في المغرب ، وطلوع رقيبة من المشرق في ساعته في كل ثلاثة عشر يوما ، ماخلا الجبهة فإن لها أربعة عشر يوما وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منهما وقيل إلى الطالع لأنه في سلطانه والجمع أنواء .