تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارٗا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (56)

يخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصد عن رسله ، فقال : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا [ سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا ] }{[7758]} الآية ، أي ندخلهم نارا دخولا يحيط بجميع أجرامهم ، وأجزائهم . ثم أخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم ، فقال : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ } قال [ الأعمش ، عن ابن عمر ]{[7759]} إذا أحرقت جلودهم بدلوا جلودًا بيضا أمثال القراطيس . رواه ابن أبي حاتم .

وقال يحيى بن يزيد الحضرمي إنه بلغه في قول الله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ } قال : يجعل{[7760]} للكافر مائة جلد ، بين كل جلدين لون من العذاب . رواه ابن أبي حاتم .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا حسين الجعفي ، عن زائدة ، عن هشام ، عن الحسن قوله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ [ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ]{[7761]} } الآية . قال : تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة . قال حسين : وزاد فيه فضيل عن هشام عن الحسن : كلما أنضجتهم فأكلت لحومهم قيل لهم : عودوا فعادوا .

وقال أيضا : ذكر عن هشام بن عمار : حدثنا سعيد بن يحيى - يعني سعدان - حدثنا نافع ، مولى يوسف السلمي البصري ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قرأ رجل عند عمر هذه الآية : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا } فقال عمر : أعدها علي فأعادها ، فقال معاذ بن جبل : عندي تفسيرها : تبدل في ساعة مائة مرة . فقال عمر : هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد رواه ابن مردويه ، عن محمد بن أحمد بن إبراهيم ، عن عبدان بن محمد المروزي ، عن هشام بن عمار ، به . ورواه من وجه آخر بلفظ آخر فقال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عمران ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا نافع أبو هرمز ، حدثنا نافع ، عن ابن عمر قال : تلا رجل عند عمر هذه الآية : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ [ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ]{[7762]} } الآية ، قال : فقال عمر : أعدها على - وثم كعب - فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا عندي تفسير هذه الآية ، قرأتها قبل الإسلام ، قال : فقال : هاتها يا كعب ، فإن جئت بها كما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقناك ، وإلا لم ننظر إليها . فقال : إني قرأتها قبل الإسلام : " كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة " . فقال عمر : هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال الربيع بن أنس : مكتوب في الكتاب الأول أن جلد أحدهم أربعون ذراعا ، وسنه تسعون ذراعًا ، وبطنه لو وضع فيه جبل لوسعه ، فإذا أكلت النار جلودهم بدلوا جلودا غيرها .

وقد ورد في الحديث ما هو أبلغ من هذا ، قال{[7763]} الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا أبو يحيى الطويل ، عن أبي يحيى القتات ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يعظم أهل النار في النار ، حتى إن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام ، وإن غلظ جلده سبعون ذراعا ، وإن ضرسه مثل أحد " .

تفرد به أحمد من هذا الوجه{[7764]} .

وقيل : المراد بقوله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } أي : سرابيلهم . حكاه ابن جرير ، وهو ضعيف ؛ لأنه خلاف الظاهر .


[7758]:زيادة من ر، أ.
[7759]:زيادة من ر، أ.
[7760]:في د: "إنه يجعل".
[7761]:زيادة من ر.
[7762]:زيادة من ر، أ.
[7763]:في د، ر: "فقال".
[7764]:المسند (2/26).