السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارٗا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (56)

وقوله تعالى :

{ إنّ الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم } أي : ندخلهم { ناراً } كالبيان والتقرير لذلك { كلما نضجت } أي : احترقت { جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها } بأن يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة أخرى .

روي أنّ هذه الآية قرئت عند عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال عمر للقارئ : أعدها فأعادها وكان عنده معاذ بن جبل فقال معاذ : عندي تفسيرها : يبدله الله تعالى في ساعة مائة مرّة قال عمر : هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحسن : تأكلهم النار كل يوم سبعين ألف مرّة كلما أكلتهم قيل لهم : عودوا فيعودون كما كانوا .

فإن قيل : كيف تعذب جلود لم تكن في الدنيا ولم تعص ؟ أجيب : بأن المعاد إنما هو الجلد الأوّل وإنما قال : جلوداً غيرها لتبدل صفتها كما تقول : صنعت من خاتمي خاتماً غيره فالخاتم الثاني هو الأوّل لا أنّ الصناعة والصفة تبدلت .

روي أنّ ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع .

وروي أنّ ضرسه أو نابه مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث { ليذوقوا العذاب } أي : ليقاسوا شدّته ، وقيل : يخلق مكان ذلك الجلد جلد آخر والمعذب في الحقيقة على كل حال هي النفس العاصية القائمة بالبدن ؛ لأنها المدركة دونه { إنّ الله كان } ولم يزل { عزيزاً } أي : لا يعجزه شيء { حكيماً } في خلقه يعاقب على وفق حكمته .