فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارٗا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (56)

{ إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا }( ويدخل فيها( {[1437]} ) كل ما يدل على ذات الله تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه ، وملائكته ، والكتب والرسل ، وكفرهم بها : أن ينكروا كونها آيات ، أو يغفلوا عنها ولا ينظروا فيها ، أو يلقوا الشكوك والشبهات فيها ، أو ينكروها مع العلم بها ، عنادا وحسدا ، وبغيا ولددا به ) ( {[1438]} ) ؛ و { سوف } كلمة تذكر للتهديد والوعيد ، وتنوب عنها السين ، كما في قوله تعالى : ( سأصليه سقر ) ( {[1439]} ) ، وقد تذكر للوعد ، كما في قوله سبحانه : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) ( {[1440]} ) ، و( . . سوف أستغفر لكم ربي . . . ) ( {[1441]} ) ؛ { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب }- بدلناهم جلودا غير محترقة ، وذلك أنها تعاد جديدة والأولى كانت قد احترقت فأعيدت غير محترقة ، فلذلك قيل غيرها ، لأنها غير الجلود التي كانت لهم في الدنيا ، التي عصوا الله وهي لهم ، قالوا : وذلك نظير قول العرب للصائغ إذا استصاغه خاتما من خاتم مصوغ بتحويله عن صياغته التي هو بها إلى صياغة أخرى : صغ لي من هذا الخاتم غيره ، فيكسره ويصوغ له منه خاتما غيره ، والخاتم المصوغ بالصياغة الثانية هو الأول ، ولكنه لما أعيد بعد كسره خاتما قيل هو غيره ، قالوا : فكذلك معنى قوله : { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها } لما احترقت الجلود ثم أعيدت جديدة بعد الاحتراق قيل على ذلك المعنى ؛ . . . . وأما معنى قوله : { ليذوقوا العذاب } فإنه يقول : فعلنا ذلك بهم ليجدوا ألم العذاب وكربه وشدته بما كانوا في الدنيا يكذبون بآيات الله ويجحدونها ؛ . . { إن الله كان عزيزا حكيما } يقول : إن الله لم يزل عزيزا في انتقامه ممن انتقم منه من خلقه ، لا يقدر على الامتناع منه أحد أراده بضر ، ولا الانتصار منه لأحد أحل به عقوبة . { حكيما } في تدبيره وقضائه-( {[1442]} ) .


[1437]:كأنه يعني: الكفر بآيات الله التكوينية والتنزيلية.
[1438]:ما بين العلامتين ( من تفسير غرائب القرآن).
[1439]:سورة المدثر.الآية 26.
[1440]:سورة الضحى. الآية 5.
[1441]:سورة يوسف.من الآية 98.
[1442]:من جامع البيان.