قد تقدم معنى الإصلاء أول السورة{[4565]} . وقرأ حميد بن قيس " نصليهم " بفتح النون أي نشويهم . يقال : شاة مصلية . ونصب " نارا " على هذه القراءة بنزع الخافض تقديره بنار . " كلما نضجت جلودهم " يقال : نضج الشيء نضجا{[4566]} ونضجا ، وفلان نضيج الرأي محكمه . والمعنى في الآية : تبدل الجلود جلودا أخر . فإن قال من يطعن في القرآن من الزنادقة : كيف جاز أن يعذب جلدا لم يعصه ؟ قيل له : ليس الجلد بمعذب ولا معاقب ، وإنما الألم واقع على النفوس ؛ لأنها هي التي تحس وتعرف فتبديل الجلود زيادة في عذاب النفوس . يدل عليه قوله تعالى : " ليذوقوا العذاب " وقوله تعالى : " كلما خبت زدناهم سعيرا{[4567]} " [ الإسراء : 97 ] . فالمقصود تعذيب الأبدان وإيلام الأرواح . ولو أراد الجلود لقال : ليذقن العذاب . مقاتل : تأكله النار كل يوم سبع مرات . الحسن : سبعين ألف مرة كلما أكلتهم قيل لهم : عودوا فعادوا كما كانوا . ابن عمر : إذا احترقوا بدلت لهم جلود بيض كالقراطيس . وقيل : عنى بالجلود{[4568]} السرابيل ؛ كما قال تعالى : " وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران{[4569]} " [ إبراهيم : 49 - 50 ] سميت جلودا للزومها جلودهم على المجاورة ، كما يقال للشيء الخاص بالإنسان : هو جلدة ما بين عينيه . وأنشد ابن عمر رضي الله عنه :
يلومونني في سالم وألومهم *** وجلدة بين العين والأنف سالم
فكلما احترقت السرابيل أعيدت . قال الشاعر :
كسا اللؤمُ تيما خضرةً في جلودها *** فويل لتيم من سرابيلها الخضر
فكنى عن الجلود بالسرابيل . وقيل : المعنى أعدنا الجلد الأول جديدا ، كما تقول للصائغ : صغ لي من هذا الخاتم خاتما غيره ، فيكسره ويصوغ لك منه خاتما . فالخاتم المصوغ هو الأول إلا أن الصياغة تغيرت والفضة واحدة . وهذا كالنفس إذا صارت ترابا وصارت لا شيء ثم أحياها الله تعالى . وكعهدك بأخ لك صحيح{[4570]} ثم تراه بعد ذلك{[4571]} سقيما مدنفا فتقول له : كيف أنت ؟ فيقول : أنا غير الذي عهدت . فهو هو ، ولكن حاله تغيرت . فقول القائل : أنا غير الذي عهدت ، وقوله تعالى : " غيرها " مجاز . ونظيره قوله تعالى : " يوم تبدل الأرض غير الأرض{[4572]} " [ إبراهيم : 48 ] وهي تلك الأرض بعينها إلا أنها تغير آكامها وجبالها وأنهارها وأشجارها ، ويزاد في سعتها ويسوى ذلك منها ؛ على ما يأتي بيانه في سورة " إبراهيم{[4573]} " عليه السلام . ومن هذا المعنى قول الشاعر :
فما الناس بالناس الذين عهدتهم *** ولا الدار بالدار التي كنت أعرف
وقال الشعبي : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : ألا ترى ما صنعت عائشة . ذمت دهرها ، وأنشدت بيتي لبيد :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم *** وبقيت في خلف{[4574]} كجلد الأجرب
يتلذذون مَجَانَةً ومَذَلَّةً *** ويعاب قائلهم وإن لم يَشْغَبِ
فقالت : رحم الله لبيدا فكيف لو أدرك زماننا هذا ! فقال ابن عباس : لئن ذمت عائشة دهرها لقد ذمت " عاد " دهرها ؛ لأنه وجد في خزانة " عاد " بعدما هلكوا بزمن طويل كأطول ما يكون من رماح ذلك الزمن عليه مكتوب :
بلاد بها كنا ونحن بأهلها{[4575]} *** إذ الناس ناس والبلاد بلاد
البلاد باقية كما هي إلا أن أحوالها وأحوال أهلها تنكرت وتغيرت .
" إن الله كان عزيزا " أي لا يعجزه شيء ولا يفوته . " حكيما " في إيعاده عباده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.