فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارٗا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (56)

قوله : { بآياتنا } الظاهر عدم تخصيص بعض الآيات دون بعض ، و { سَوْفَ } كلمة تذكر للتهديد قاله سيبويه . وينوب عنها السين . وقد تقدّم معنى نصلي في أوّل السورة . والمراد : سوف ندخلهم ناراً عظيمة . وقرأ حميد بن قيس «نَصْلِيهِمْ » بفتح النون . قوله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ } يقال : نضج الشيء نضجاً ونضاجاً ، ونضج اللحم ، وفلان نضج الرأي ، أي : محكمه . والمعنى : أنها كلما احترقت جلودهم بدّلهم الله جلوداً غيرها ، أي : أعطاهم مكان كل جلد محترق جلداً آخر غير محترق ، فإن ذلك أبلغ في العذاب للشخص ؛ لأن إحساسه لعمل النار في الجلد الذي لم يحترق أبلغ من إحساسه لعملها في الجلد المحترق . وقيل : المراد بالجلود : السرابيل التي ذكرها في قوله : { سَرَابِيلُهُم من قَطِرَانٍ } [ إبراهيم : 50 ] ولا موجب لترك المعنى الحقيقي ها هنا ، وإن جاز إطلاق الجلود على السرابيل مجازاً ، كما في قول الشاعر :

كسا اللوم تيما خضرة في جلودها *** فويل لتيم من سرابيلها الخضر

وقيل : المعنى : أعدنا الجلد الأوّل جديداً ، ويأبى ذلك معنى التبديل . قوله : { لِيَذُوقُوا العذاب } أي : ليحصل لهم الذوق الكامل بذلك التبديل . وقيل : معناه : ليدوم لهم العذاب ، ولا ينقطع .

/خ57