وقوله تعالى : { إن الذين كفروا بآياتنا }تحتمل الآيات أعلام الدين وآثاره ، وتحتمل الآيات الربوبية له ، وتحتمل الآيات أعلام رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيكون الكفر بها كفرا بالله .
وقوله تعالى : { سوف نصليهم نارا }فقيل : { نصلهم } نشويهم . يقال : شاة مصلية مشوية .
وقوله تعالى : { كلما نضجت جلودهم بدلناها جلودا غيرها } كلما احترقت { جلودهم بدلناها جلودا غيرها } أي جددنا لهم جلودا غيرها ، ليزدادوا التهابا وإيقادا من غير أن يسكن ألم العذاب ؛ فهي {[5782]} من حيث التجديد غيرها {[5783]} ؛ لأن الأولى قد احترقت ، ونضجت ، ومن حيث العين نفسها .
ألا ترى ما يقال : تبدل فلان ، فإنما يقال من حيث تغيره من لون إلى لون ، لا أن كانت تحولت نفسه وتبدلت {[5784]} حال إلى حال ، فعلى ذلك قوله تعالى : { بدلناهم جلودا غيرها } هي من حيث العين إنما تلك بعينها واحدة {[5785]} .
وعلى ذلك البعث بعد الموت ، والإنشاء من حيث التجديد غيره {[5786]} حيث أفنوا {[5787]} ، وذهبت آثارهم ، ومن حيث الإعادة إلى الحالة الأولى هم بأنفسهم ليسوا بغيرهم {[5788]} . وعلى ذلك قد سمي البعث خلقا جديدا ، وإن كان بعث الأولى في المعنى .
ثم تكلموا في قوله تعالى : { بدلناهم جلودا غيرها } ؛ قالوا : كيف كان ؟ أي يعذب جلودا لا مآثم ، وإنما المآثم في الجلود التي احترقت ، ونضجت ، وقالوا : أي دنا في من قطعت {[5789]} يده ، وهو كافر ، ثم أسلم ، فمات على الإسلام . ما حال اليد المقطوعة ؟ تعذب في النار ، أم تكون مع النفس في الجنة ؟ وفي من قطعت يده ، وهو مسلم ، ثم كفر ، ومات على كفره . تلحق النفس ، أم تكون في الجنة ؟ فالجواب لهذا كله أن الجوارح والأعضاء ليست تعمل ما تعمل بالتيار والطوع ، ولكنها كالمكرهات والمقهورات في العمل .
ألا ترى أن الإكراه عليها يوجب تحويل الفعل منها إلى المكروه ، فيجعل كأن المكره هو الذي قد فعل ذلك في حق الضمان ؟ فهذا يدل أن هذه الجوارح كالمكرهات والمقهورات [ لحقت النفس ] {[5790]} حيث كانت . ثم معلوم من أسلم في آخر عمره يتمنى سلامة جوارحه التي كانت ذهبت عنه ليعمل بها في طلب مرضاة ربه تعالى . وكذلك من كفر بعد الإسلام يتمنى سلامة جوارحه ، ليستعملها{[5791]} في ما اختار من الدين . فإذا كان كذلك لحقت النفس حيث كانت في طاعتها ومعصيتها .
وقالت فرقة من الملحدة : إن الثواب في الآخرة لا يكون لهذه النفس التي تأكل ، وتشرب ، وتعمل كل ما تعمل ، ولكن إنما يكون للروحاني الذي جوهره {[5792]} جوهر النور . لكن هذه النفس ممتحنة في الدنيا بالأكل والشرب مشوبة بالآفات والعيوب . فإذا صفت عن الآفات ، وتنزهت عن العيوب التي بها امتحنت ، صارت أهلا للثواب العظيم ومحلا للجزاء الجزيل ، وبالله العصمة والنجاة .
وقوله تعالى : { ليذوقوا العذاب } أما دوق الطعام والشراب فيكون{[5793]} بالفم ، ليعرف طعمه ولذته . وأما ذوق العذاب فإنما يكون بكل جارحة منه ليحذر {[5794]} ألم ذلك في جميع الجوارح ، والله أعلم . والذوق /99-ب/ في العرف ليعرف الطعم يقلب فيه كل شيء ، فيعرف {[5795]} . يقال : لفلان ذوق في أمر كذا أي بصر ومعرفة .
وقوله تعالى : { إن الله كان عزيزا حكيما } . قيل : العزيز ما يتعزز وجوده في الشاهد . وقيل : هو عزيز ، لا يعجز ، فهو عزيز لما لا يوجد في الأفهام ، ولا يدرك بالأوهام ، وقيل : العزيز المنتقم ، وقد ذكر في غير موضع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.