تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارٗا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (56)

الآية 56

وقوله تعالى : { إن الذين كفروا بآياتنا }تحتمل الآيات أعلام الدين وآثاره ، وتحتمل الآيات الربوبية له ، وتحتمل الآيات أعلام رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيكون الكفر بها كفرا بالله .

وقوله تعالى : { سوف نصليهم نارا }فقيل : { نصلهم } نشويهم . يقال : شاة مصلية مشوية .

وقوله تعالى : { كلما نضجت جلودهم بدلناها جلودا غيرها } كلما احترقت { جلودهم بدلناها جلودا غيرها } أي جددنا لهم جلودا غيرها ، ليزدادوا التهابا وإيقادا من غير أن يسكن ألم العذاب ؛ فهي {[5782]} من حيث التجديد غيرها {[5783]} ؛ لأن الأولى قد احترقت ، ونضجت ، ومن حيث العين نفسها .

ألا ترى ما يقال : تبدل فلان ، فإنما يقال من حيث تغيره من لون إلى لون ، لا أن كانت تحولت نفسه وتبدلت {[5784]} حال إلى حال ، فعلى ذلك قوله تعالى : { بدلناهم جلودا غيرها } هي من حيث العين إنما تلك بعينها واحدة {[5785]} .

وعلى ذلك البعث بعد الموت ، والإنشاء من حيث التجديد غيره {[5786]} حيث أفنوا {[5787]} ، وذهبت آثارهم ، ومن حيث الإعادة إلى الحالة الأولى هم بأنفسهم ليسوا بغيرهم {[5788]} . وعلى ذلك قد سمي البعث خلقا جديدا ، وإن كان بعث الأولى في المعنى .

ثم تكلموا في قوله تعالى : { بدلناهم جلودا غيرها } ؛ قالوا : كيف كان ؟ أي يعذب جلودا لا مآثم ، وإنما المآثم في الجلود التي احترقت ، ونضجت ، وقالوا : أي دنا في من قطعت {[5789]} يده ، وهو كافر ، ثم أسلم ، فمات على الإسلام . ما حال اليد المقطوعة ؟ تعذب في النار ، أم تكون مع النفس في الجنة ؟ وفي من قطعت يده ، وهو مسلم ، ثم كفر ، ومات على كفره . تلحق النفس ، أم تكون في الجنة ؟ فالجواب لهذا كله أن الجوارح والأعضاء ليست تعمل ما تعمل بالتيار والطوع ، ولكنها كالمكرهات والمقهورات في العمل .

ألا ترى أن الإكراه عليها يوجب تحويل الفعل منها إلى المكروه ، فيجعل كأن المكره هو الذي قد فعل ذلك في حق الضمان ؟ فهذا يدل أن هذه الجوارح كالمكرهات والمقهورات [ لحقت النفس ] {[5790]} حيث كانت . ثم معلوم من أسلم في آخر عمره يتمنى سلامة جوارحه التي كانت ذهبت عنه ليعمل بها في طلب مرضاة ربه تعالى . وكذلك من كفر بعد الإسلام يتمنى سلامة جوارحه ، ليستعملها{[5791]} في ما اختار من الدين . فإذا كان كذلك لحقت النفس حيث كانت في طاعتها ومعصيتها .

وقالت فرقة من الملحدة : إن الثواب في الآخرة لا يكون لهذه النفس التي تأكل ، وتشرب ، وتعمل كل ما تعمل ، ولكن إنما يكون للروحاني الذي جوهره {[5792]} جوهر النور . لكن هذه النفس ممتحنة في الدنيا بالأكل والشرب مشوبة بالآفات والعيوب . فإذا صفت عن الآفات ، وتنزهت عن العيوب التي بها امتحنت ، صارت أهلا للثواب العظيم ومحلا للجزاء الجزيل ، وبالله العصمة والنجاة .

وقوله تعالى : { ليذوقوا العذاب } أما دوق الطعام والشراب فيكون{[5793]} بالفم ، ليعرف طعمه ولذته . وأما ذوق العذاب فإنما يكون بكل جارحة منه ليحذر {[5794]} ألم ذلك في جميع الجوارح ، والله أعلم . والذوق /99-ب/ في العرف ليعرف الطعم يقلب فيه كل شيء ، فيعرف {[5795]} . يقال : لفلان ذوق في أمر كذا أي بصر ومعرفة .

وقوله تعالى : { إن الله كان عزيزا حكيما } . قيل : العزيز ما يتعزز وجوده في الشاهد . وقيل : هو عزيز ، لا يعجز ، فهو عزيز لما لا يوجد في الأفهام ، ولا يدرك بالأوهام ، وقيل : العزيز المنتقم ، وقد ذكر في غير موضع .


[5782]:في الأصل وم: فهو.
[5783]:في الأصل وم: غير.
[5784]:في الأصل وم: تبدل.
[5785]:في الأصل وم: واحد.
[5786]:في الأصل وم: غير.
[5787]:في الأصل وم: تفانوا.
[5788]:في الأصل وم: بغير.
[5789]:في الأصل وم: قطع.
[5790]:من م، في الأصل: لحقنا أن النفس.
[5791]:في الأصل وم: يستعمها.
[5792]:في الأصل وم: جوهرها.
[5793]:الفائ ساقطة من الأصل وم.
[5794]:في الأصل وم: ليجد.
[5795]:الفاء ساقطة من الأصل وم.