{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً } ندخلهم ناراً ، وقرأ حميد بن قيس : نصليهم بفتح النون : أي نسوّيهم ، وقيل : معناه نَصليهم . فنصب ناراً على هذه القراءة بنزع الخافض تقديره بنار .
{ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } غير الجلود المحترقة . قال ابن عبّاس : يُبدّلون جلوداً بيضاً كأصناف القراطيس . نافع عن ابن عمر قال : قرأ رجل عند عمر { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } قال عمر : أعدْها ، فأعادها ، قال معاذ بن جبل : عندي تفسيرها : بدّلت في ساعة مائة مرّة ؟ ، قال عمر : هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .
هشام عن الحسن في قوله تعالى : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } قال : تأكلهم كل يوم سبعين ألف مرّة كلّما أكلتهم فأنضجتهم قيل لهم : عودوا فيعودون كما كانوا .
المسيّب عن الأعمش عن مجاهد قال : ما بين جلده ولحمه ودمه دود فأجلدت كجلدة حمر الوحش .
الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعاً وضرسهُ مثل أُحد " .
فإن قيل : كيف جاز أن يعذّب جلد لم يعصه قلنا : إنّ المعاصي والألم واقع على نفس الإنسان لا الجلد ، لأن الجلود إنما تألم بالأرواح ، والدليل على من يقصد تعذيب الأبدان لا يعذّب ] الجلود [ قوله : { لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ } [ النساء : 56 ] ، لم يقل ليذوق العذاب .
وقيل : معناه : يبدّل جلوداً هي تلك الجلود المحترقة ، وذلك أنّ غير على ضربين : غير تضاد ، وغير تناف ، وغير تبديل ، فغير تضاد مثل قولك : للصّائغ صغ لي من هذا الخاتم خاتماً غيره فيكسره ويصوغ لك خاتماً ، فالخاتم المصوغ هو الأول ولكن الصياغة تغيّرت والفضّة واحد .
وهذا كعهدك بأخٍ لك صحيحاً ثم تراه بعد ذلك سقيماً مدنفاً فتقول : فكيف أنت ؟ فيقول : أنا على غير ما عهدت ، فهو هو ، ولكن حالهُ تغيّرت ، ونظير هذا قوله تعالى
{ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ } [ إبراهيم : 48 ] وهي تلك الأرض بعينها إلاّ أنها قد بُدّلت جبالها وآكامها وأنهارها وأشجارها ، وأنشد :
فما الناس بالنّاس الذين عهدتهم *** ولا الدّار بالدّار التي كنت أعرف
قال الثعلبي : وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا نصير محمد بن محمد بن مزاحم يقول : سمعت مزاحم بن محمد بن شاردة الكشي يقول : سمعت جابر بن زيد يقول : سمعت وكيع بن الجراح يقول : سمعت إسرائيل يقول : سمعت الشعبي يقول : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : ألا ترى ما صنعت عائشة ذمَّت دهرها وذلك ( أنها ) أَنشدت بيتي لبيد :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم *** وبقيت في خلف كجلد الأجرب
يتلذّذون مجانة ومذلّة *** ويعاب قائلهم وإن لم يشغب
فقالت : رحم الله لبيد وكيف لو أدرك زماننا هذا .
فقال له ابن عباس : لئن ذمّت [ عائشة ] دهرها لقد ذمت عاد دهرها ، وذلك إنه وجد في خزانة عاد بعدما هلكت سهم كأطول ما يكون من رماحنا عليه مكتوب :
وليس لي أحناطي بذي اللوى *** لوى الرمل من قبل النفوس معاد
بلاد بها كنا ونحن من أهلها *** إذ الناس ناس والبلاد بلاد
البلاد باقية كما هي إلاّ أن أحوالها وأحوال أهلِها تنكرت وتغيرت .
وقالت الحكماء : كما إن الجلد يلي قبل البعث فأنشىء كذلك تبدل ( ورجع ) .
وقال : ( السدّيّ ) : إنما تبدل الجلود جلوداً غيرها من لحم الكافر ، يعيد الجلد لحماً ويخرج من اللحم جلداً آخر لم يبدّل بجلد لم يعمل خطيئة .
وقيل : أراد بالجلود سرابيلهم من قطران سمّيت بها للزومها جلودِهم على ( المجاورة ) كما يقال للشيء ( الخاص ) بالانسان هو جلدة مابين ( عضمه ) ووجهه فكلما احترقت السرابيل عذّب . قال الشاعر :
كسا اللؤم تيماً خضرة في جلودها *** فويل لتيم من سرابيلها الخضر
قال عبد العزيز بن يحيى : إن الله تعالى أبدل أهل النار جلوداً لاتألم ويكون ( رماده ) عذاب عليهم فكلّما أُحرق جلدهم أبدلهم الله تعالى جلداً غيره .
يكون هذا عذاباً عليهم كما قال :
{ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ } [ إبراهيم : 50 ] فتكون السرابيل تؤلمهم ولا يألم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.