النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِيهِمۡ نَارٗا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَٰهُمۡ جُلُودًا غَيۡرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمٗا} (56)

قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِم نَاراً }{[653]} إلى قوله : { لِيَذُوقُوا العَذَابَ } فإن قيل وكيف يجوز أن يُبدّلوا جلوداً غير جلودهم التي كانت لهم في الدنيا فيعذبوا فيها ؟ ولو جاز ذلك لجاز أن يُبدَّلوا أجساماً ، وأرواحاً ، غير أجسامهم وأرواحهم التي كانت في الدنيا ، ولو جاز ذلك لجاز أن يكون المعذبون في الآخرة بالنار غير الذين وعدهم الله في الدنيا على كفرهم بالعذاب بالنار .

وقد أجاب أهل العلمِ عنه بثلاثة أجوبة :

أحدها : أن ألم العذاب إنما يصل إلى الإنسان الذي هو غير الجلد{[654]} واللحم ، وإنما يحرق الجلد ليصل إلى الإنسان ألم العذاب ، فأما الجلد واللحم فلا يألمان فسواء أعيد على الكافر جلده الذي كان عليه وجلدٌ غَيْرُهُ .

والجواب الثاني : أنه تُعَادُ تلك الجلود الأولى جديدة [ غير ] محترقة .

والجواب الثالث : أن الجلود المُعادَةَ إنما هي سرابيلهم{[655]} من قبل أن جعلت لهم لباساً ، فسماها الله جلوداً ، وأنكر قائل هذا القول أن تكون الجلود تحترق وتعاد غير محترقة ، لأن في حال احتراقها إلى حال إعادتها فناءَها ، وفي فنائها راحتها ، وقد أخبر الله تعالى : أنهم لا يموتون ولا يخفف عنهم العذاب .


[653]:- بعد كلمة "نارا" كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما" وهي الآية 56.
[654]:- المراد أن الإثم واقع على النفوس، لأنها هي التي تحس وتعرف، ولو أراد الجلود لقال: ليذقن العذاب.
[655]:- يؤيده قوله تعالى: "سرابيلهم من قطران" آية 50 إبراهيم، وسميت السرابيل جلودا للزومها جلودهم على المجاورة. انظر تفسير القرطبي جـ5 ص 254.